البحر المحيط، ج ٤، ص : ١٤٤
فأثبت أنه ولد لمريم اتصل بها اتصال الأولاد بأمهاتهم، وأنّ اتصاله باللّه عزّ وجلّ من حيث أنه رسوله، وأنه موجود بأمره، وابتداعه جسدا حيا من غير أب ينفي أنه يتصل به اتصال الأبناء بالآباء. وقوله : سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ «١» وحكاية اللّه أوثق من حكاية غيره، وهذا الذي رجحه الزمخشري قول ابن عباس قاله يريد بالتثليث : اللّه تعالى، وصاحبته، وابنه. وقال الزمخشري أيضا إن صحت الحكاية عنهم أنهم يقولون هو جوهر واحد ثلاثة أقانيم : أقنوم الأب، وأقنوم الابن، وأقنوم روح القدس، وأنهم يريدون باقنوم الأب الذات، وبأقنوم الابن العلم، وبأقنوم روح القدس الحياة، فتقديره اللّه ثلاثة انتهى. وقال ابن عطية :
يحتمل أن يكون التقدير المعبود ثلاثة، أو الآلهة ثلاثة، أو الأقانيم ثلاثة. وكيفما تشعب اختلاف عبارات النصارى فإنه يختلف بحسب ذلك التقدير انتهى. وقال الزجاج : تقديره إلها ثلاثة. وقال الفراء وأبو عبيد : تقديره ثلاثة كقوله سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ «٢» وقال أبو علي :
التقدير اللّه ثالث ثلاثة، حذف المبتدأ والمضاف انتهى. أراد أبو علي موافقة قوله : لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ «٣» أي أحد آلهة ثلاثة والذي يظهر أن الذي أثبتوه هو ما أثبت في الآية خلافه، والذي أثبت في الآية بطريق الحصر إنما هو وحدانية اللّه تعالى، وتنزيهه أن يكون له ولد، فيكون التقدير : ولا تقولوا اللّه ثلاثة. ويترجح قول أبي علي بموافقته الآية التي ذكرناها، وبقوله تعالى سبحانه أن يكون له ولد، والنصارى وإن اختلفت فرقهم فهم مجمعون على التثليث.
انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ تقدم الكلام في انتصاب خيرا. وقال الزمخشري في تقدير مذهب سيبويه في نصبه لما بعثهم على الإيمان يعني في قوله : فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ «٤» وعلى الانتهاء عن التثليث يعني في قوله : انتهوا خيرا لكم، علم أنه يحملهم على أمر فقال : خيرا لكم أي اقصدوا وأتوا خيرا لكم مما أنتم فيه من الكفر والتثليث، وهو الإيمان والتوحيد انتهى. وهو تقدير سيبويه في الآية.
إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ قال ابن عطية : إنما في هذه الآية حاصرة، اقتضى ذلك العقل في المعنى المتكلم فيه، وليست صيغة، إنما تقتضي الحصر، ولكنها تصلح للحصر والمبالغة في الصفة، وإن لم يكن حصر نحو : إنما الشجاع عنترة وغير ذلك انتهى كلامه.
(٢) سورة الكهف : ١٨/ ٢٢.
(٣) سورة المائدة : ٥/ ٧٣.
(٤) سورة النساء : ٤/ ١٧٠.