البحر المحيط، ج ٤، ص : ١٤٩
المستنكف إذا كان داخلا في جملة التنكيل به، فكأنه قيل : ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيعذب بالحشر إذا رأى أجور العاملين، وبما يصيبه من عذاب اللّه تعالى.
يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً الجمهور على أنّ البرهان هو محمد صلى اللّه عليه وسلم، وسماه برهانا لأنّ منه البرهان، وهو المعجزة. وقال مجاهد :
البرهان هنا الحجة. وقيل : البرهان الإسلام، والنور المبين هو القرآن.
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً الظاهر أنّ الضمير في به عائد على اللّه لقربه وصحة المعنى، ولقوله :
واعتصموا باللّه وأخلصوا دينهم للّه. ويحتمل أن يعود على القرآن الذي عبر عنه بقوله :
وأنزلنا إليكم نورا مبينا وفي الحديث :«القرآن حبل اللّه المتين من تمسك به عصم»
والرحمة والفضل : الجنة. وقال الزمخشري : في رحمة منه وفضل في ثواب مستحق وتفضل انتهى. ولفظ مستحق من ألفاظ المعتزلة. وقيل : الرحمة زيادة ترقية، ورفع درجات. وقيل : الرحمة التوفيق، والفضل القبول. والضمير في إليه عائد على الفضل، وهي هداية طريق الجنان كما قال تعالى : سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ «١» لأن هداية الإرشاد قد تقدّمت وتحصلت حين آمنوا باللّه واعتصموا، وعلى هذا الصراط طريق الجنة. وقال الزمخشري : ويهديهم إلى عبادته، فجعل الضمير عائدا على اللّه تعالى وذلك على حذف مضاف وهذا هو الظاهر، لأنه المحدث عنه، وفي رحمة منه وفضل ليس محدثا عنهما. قال أبو علي : هي راجعة إلى ما تقدم من اسم اللّه تعالى، والمعنى : ويهديهم إلى صراطه، فإذا جعلنا صراطا مستقيما نصبا على الحال كانت الحال من هذا المحذوف انتهى. ويعني : دين الإسلام. وقيل : الهاء عائدة على الرحمة والفضل لأنهما في معنى الثواب. وقيل : هي عائدة على القرآن. وقيل : معنى صراطا مستقيما عملا صالحا.
يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ قال البراء بن عازب : هي آخر آية نزلت.
وقال كثير من الصحابة، من آخر ما نزل. وقال جابر بن عبد اللّه : نزلت بسبب عادني النبي صلى اللّه عليه وسلم وأنا مريض فقلت : يا رسول اللّه كيف أقضي في مالي وكان لي تسع أخوات ولم يكن لي ولد ولا والد؟ فنزلت. وقيل : إنّ جابرا أتاه في طريق مكة عام حجة الوداع فقال :
إن لي أختا، فكم آخذ من ميراثها إن ماتت، فنزلت.
وتقدّم الكلام في لفظ الكلالة اشتقاقا

(١) سورة محمد : ٤٧/ ٥ - ٦.


الصفحة التالية
Icon