البحر المحيط، ج ٤، ص : ١٦٨
قال : والسبب في هذا أن الصحابة لما جمعوا القرآن لم يرتبوه على حكم نزوله، وإنما رتبوه على تقارب المعاني وتناسق الألفاظ، وهذا الذي قاله ليس بصحيح، بل الذي نعتقد أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هو الذي رتبه لا الصحابة، وكذلك نقول في سوره وإن خالف في ذلك بعضهم. والأمر بالاصطياد هنا أمر إباحة بالإجماع، ولهذا قال الزمخشري : وإذا حللتم فلا جناح عليكم أن تصطادوا انتهى. ولما كان الاصطياد مباحا، وإنما منع منه الإحرام، وإذا زال المانع عاد إلى أصله من الإباحة. وتكلموا هنا على صيغة الأمر إذا جاءت بعد الحظر، وعليها إذا جاءت مجردة عن القرائن، وعلى ما تحمل عليه، وعلى مواقع استعمالها، وذلك من علم أصول الفقه فيبحث عن ذلك فيه.
وقرئ : فإذا حللتم وهي لغة يقال : حل من إحرامه وأحل. وقرأ أبو واقد، والجراح، ونبيح، والحسن بن عمران : فاصطادوا بكسر الفاء. قال الزمخشري : قيل هو بدل من كسر الهمزة عند الابتداء. وقال ابن عطية : وهي قراءة مشكلة، ومن توجيهها أن يكون راعي كسر ألف الوصل إذا بدأت فقلت : اصطادوا بكسر الفاء مراعاة وتذكرة لأصل ألف الوصل انتهى. وليس عندي كسرا محضا بل هو من باب الإمالة المحضة لتوهم وجود كسرة همزة الوصل، كما أمالوا الفاء في، فإذا لوجود كسرة إذا.
وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا قال ابن عباس وقتادة : ولا يجرمنكم أي لا يحملنكم، يقال : جرمني كذا على بغضك. فيكون أن تعتدوا أصله على أن تعتدوا، وحذف منه الجار. وقال قوم : معناها كسب التي تتعدى إلى اثنين، فيكون أن تعتدوا في موضع المفعول الثاني أي : اعتداؤكم عليكم. وتتعدى أيضا إلى واحد تقول : أجرم بمعنى كسب المتعدّية لاثنين، يقال في معناها : جرم وأجرم. وقال أبو علي : أجرم أعرفه الكسب في الخطايا والذنوب. وقرأ الحسن، وابراهيم. وابن وثاب، والوليد عن يعقوب : يجرمنكم بسكون النون، جعلوا نون التوكيد خفيفة.
قال الزمخشري : والمعنى لا يكسبنكم بغض قوم، لأنّ صدوكم الاعتداء، ولا يحملنكم عليه انتهى. وهذا تفسير معنى لا تفسير إعراب، لأنه يمتنع أن يكون مدلول حمل وكسب في استعمال واحد لاختلاف مقتضاهما، فيمتنع أن يكون : أن تعتدوا في محل مفعول به، ومحل مفعول على إسقاط حرف الجر.
وقرأ النحويان وابن كثير، وحمزة، وحفص، ونافع : شنآن بفتح النون. وقرأ ابن عامر


الصفحة التالية
Icon