البحر المحيط، ج ٤، ص : ١٧٣
لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى ولا زاجرات الطير ما اللّه صانع
وروي هذا عن ابن جبير قالوا : وأزلام العرب ثلاثة أنواع : أحدها : الثلاثة التي يتخذها كل إنسان لنفسه في أحدها افعل وفي الآخر لا تفعل والثالث غفل فيجعلها في خريطة، فإذا أراد فعل شيء أدخل يده في الخريطة منسابة، وائتمر بما خرج له من الآمر أو الناهي. وإن خرج الغفل أعاد الضرب. والثاني : سبعة قداح كانت عندها في جوف الكعبة، في أحدها العقل في أمر الديات من يحمله منهم فيضرب بالسبعة، فمن خرج عليه قدح العقل لزمه العقل، وفي آخر تصح، وفي آخر لا، فإذا أرادوا أمرا ضرب فيتبع ما يخرج، وفي آخر منكم، وفي آخر من غيركم، وفي آخر ملصق، فإذا اختلفوا في إنسان أهو منهم أم من غيرهم ضربوا فاتبعوا ما خرج، وفي سائرها لأحكام المياه إذا أرادوا أن يحفروا لطلب المياه ضربوا بالقداح، وفيها ذلك القداح، فحيث ما خرج عملوا به. وهذه السبعة أيضا متخذة عند كل كاهن من كهان العرب وحكامهم على ما كانت في الكعبة عند هبل. والثالث : قداح الميسر وهي عشرة، وتقدم شرح الميسر في سورة البقرة.
ذلِكُمْ فِسْقٌ الظاهر أنّ الإشارة إلى الاستقسام خاصة، ورواه أبو صالح عن ابن عباس. وقال الزمخشري : إشارة إلى الاستقسام، وإلى تناول ما حرم عليهم، لأن المعنى :
حرم عليهم تناول الميتة وكذا وكذا. (فإن قلت) : لم كان استقسام المسافر وغيره بالأزلام ليعرف الحال فسقا؟ (قلت) : لأنه دخول في علم الغيب الذي استأثر به علام الغيوب، وقال : لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ «١» واعتقاد أن إليه طريقا وإلى استنباطه. وقوله : أمرني ربي ونهاني ربي افتراء على اللّه تعالى، وما يبديه أنه أمره أو نهاه الكهنة والمنجمون بهذه المثابة، وإن كان أراد بالرب الصنم.
فقد روي أنهم كانوا يحلون بها عند أصنامهم، وأمره ظاهر انتهى. قال الزمخشري في اسم الإشارة رواه عن ابن عباس عليّ بن أبي طلحة، وهو قول ابن جبير. قال الطبري : ونهى اللّه عن هذه الأمور التي يتعاطاها الكهان والمنجمون، لما يتعلق بها من الكلام في المغيبات. وقال غيره : العلة في تحريم الاستقسام بالأزلام كونها يؤكل بها المال بالباطل، وكانوا إذا أرادوا أن يختنوا غلاما أو ينكحوا أو يدفنوا ميتا أو شكوا في نسب، ذهبوا إلى هبل بمائة درهم وجزور، فالمائة للضارب بالقداح، والجزور ينحر ويؤكل، ويسمون صاحبهم ويقولون لهبل : يا إلهنا هذا