البحر المحيط، ج ٤، ص : ١٧٦
الدين المرضي وحده «ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه» «١» «إن هذه أمتكم أمة واحدة» «٢» قاله الزمخشري. وقال ابن عطية الرضا في : هذا الموضع يحتمل أن يكون بمعنى الإرادة، ويحتمل أن يكون صفة فعل عبارة عن إظهار اللّه إياه، لأنّ الرضا من الصفات المترددة بين صفات الذات وصفات الأفعال، واللّه تعالى قد رضي الإسلام وأراده لنا، وثم أشياء يريد اللّه وقوعها ولا يرضاها. والإسلام هنا هو الدين في قوله : إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ «٣» انتهى وكلامه يدل على أنّ الرضا إذا كان من صفات الذات فهو صفة تغاير الإرادة. وقيل : المعنى أعلمتكم برضائي به لكم دينا، فإنه تعالى لم يزل راضيا بالإسلام لنا دينا، فلا يكون الاختصاص الرضا بذلك اليوم فائدة إن حمل على ظاهره.
وقيل : رضيت عنكم إذا تعبدتم لي بالدين الذي شرعته لكم. وقيل : رضيت إسلامكم الذي أنتم عليه اليوم دينا كاملا إلى آخر الأبد لا ينسخ منه شيء.
فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ هذا متصل بذكر المحرمات وذلكم فسق أكده به وبما بعده يعني التحريم، لأن تحريم هذه الخبائث من جملة الدين الكامل والنعم التامة، والإسلام المنعوت بالرضا دون غيره من الملك. وتقدّم تفسير مثل هذه الجملة. وقراءة ابن محيصن : فمن اطرّ بإدغام الضاد في الطاء. ومعنى متجانف : منحرف ومائل. وقرأ الجمهور : متجانف بالألف. وقرأ أبو عبد الرحمن، والنخعي وابن وثاب : متجنف دون ألف. قال ابن عطية وهو أبلغ في المعنى من متجانف، وتفاعل إنما هو محاكاة الشيء والتقرب منه. ألا ترى أنك إذا قلت : تمايل الغصن، فإنّ ذلك يقتضي تأوّدا ومقاربة ميل، وإذا قلت : تميل، فقد ثبت الميل. وكذلك تصاون الرجل وتصوّن وتغافل وتغفل انتهى. والإثم هنا قيل : أن يأكل فوق الشبع. وقيل : العصيان بالسفر. وقيل : الإثم هنا الحرام، ومن ذلك قول عمر : ما تجأنفنا فيه لإثم، ولا تعهدنا ونحن نعلمه. أي : ما ملنا فيه لحرام.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٤ إلى ٦]
يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٤) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (٥) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٦)
(٢) سورة الأنبياء : ٢١/ ٩٢.
(٣) سورة آل عمران : ٣/ ١٩.