البحر المحيط، ج ٤، ص : ١٨٨
أي الملامسة الصغرى فاغسلوا وجوهكم. وهذا التأويل ينزه حمل كتاب اللّه عليه، وإنما ذكروا ذلك طلبا لأن يعم الإحداث بالذكر.
وقال قوم : الخطاب خاص وإن كان بلفظ العموم، وهو رخصة للرسول صلى اللّه عليه وسلم أمر بالوضوء عند كل صلاة فشق عليه ذلك، فأمر بالسواك، فرفع عنه الوضوء إلا من حدث.
وقال قوم : الأمر بالوضوء لكل صلاة على سبيل الندب، وكان كثير من الصحابة يفعله طلبا للفضل منهم : ابن عمر. وقال قوم : الوضوء عند كل صلاة كان فرضا ونسخ. وقيل : فرضا على الرسول خاصة، فنسخ عنه عام الفتح. وقيل : فرضا على الأمة فنسخ عنه وعنهم.
ولا يجوز أن يكون : فاغسلوا، أمرا للمحدثين على الوجوب وللمتطهرين على الندب، لأنّ تناول الكلام لمعنيين مختلفين من باب الألغاز والتعمية قاله الزمخشري.
فاغسلوا وجوهكم، الوجه : ما قابل الناظر وحده، طولا منابت الشعر فوق الجبهة مع آخر الذقن. والظاهر أنّ اللحية ليست داخلة في غسل الوجه، لأنها ليست منه. وكذلك الأذنان عرضا من الأذن إلى الأذن. ومن رأى أن الغسل هو إيصال الماء مع إمرار شيء على المغسول أوجب الدلك، وهو مذهب مالك، والجمهور لا يوجبونه. والظاهر أن المضمضة والاستنشاق ليس مأمورا بهما في الآية في غسل الوجه، ويرون ذلك سنة. وقال مجاهد :
الاستنشاق شطر الوضوء. وقال عطاء، والزهري، وقتادة، وحماد بن أبي سليمان، وابن أبي ليلى، وإسحاق : من ترك المضمضة والاستنشاق في الوضوء أعاد الصلاة. وقال أحمد :
يعيد من ترك الاستنشاق، ولا يعيد من ترك المضمضة : والإجماع على أنه لا يلزم غسل داخل العينين، إلا ما روي عن ابن عمر أنه كان ينضح الماء في عينيه.
وأيديكم إلى المرافق، اليد : في اللغة من أطراف الأصابع إلى المنكب، وقد غيا الغسل إليها. واختلفوا في دخولها في الغسل، فذهب الجمهور إلى وجوب دخولها، وذهب زفر وداود إلى أنه لا يجب. وقال الزمخشري : إلى، تفيد معنى الغاية مطلقا، ودخولها في الحكم وخروجها أمر يدور مع الدليل. ثم ذكر مثلا مما دخل وخرج ثم قال : وقوله : إِلَى الْمَرافِقِ وإِلَى الْكَعْبَيْنِ «١» لا دليل فيه على أحد الأمرين انتهى كلامه. وذكر أصحابنا أنه إذا لم يقترن بما بعد إلى قرينة دخول أو خروج فإنّ في ذلك خلافا. منهم من ذهب إلى أنه داخل، ومنهم من ذهب إلى أنه غير داخل، وهو الصحيح وعليه أكثر المحققين : وذلك أنه