البحر المحيط، ج ٤، ص : ١٩٠
والظاهر أن قوله : وأيديكم، لا ترتيب في غسل اليدين، ولا في الرجلين، بل تقديم اليمنى على اليسرى فيهما مندوب إليه من السنة. وقال أحمد : هو واجب. والظاهر أنّ التغيية بإلى تقتضي أن يكون انتهاء الغسل إلى ما بعدها، ولا يجوز الابتداء من المرفق حتى يسيل الماء إلى الكف، وبه قال بعض الفقهاء. وقال الجمهور : لا يخل ذلك بصحة الوضوء. والسنة أن يصبّ الماء من الكف بحيث يسيل منه إلى المرفق.
وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ هذا أمر بالمسح بالرأس، واختلفوا في مدلول باء الجرّ هنا فقيل : إنها للإلصاق. وقال الزمخشري : المراد إلصاق المسح بالرأس، وما مسح بعضه ومستوفيه بالمسح كلاهما ملصق المسح برأسه انتهى. وليس كما ذكر، ليس ماسح بعضه يطلق عليه أنه ملصق المسح برأسه، إنما يطلق عليه أنه ملصق المسح ببعضه. وأما أن يطلق عليه أنه ملصق المسح برأسه حقيقة فلا، إنما يطلق عليه ذلك على سبيل المجاز، وتسمية لبعض بكل. وقيل : الباء للتبعيض، وكونها للتبعيض ينكره أكثر النحاة حتى قال بعضهم، وقال من لا خبرة له بالعربية. الباء في مثل هذا للتبعيض وليس بشيء يعرفه أهل العلم. وقيل : الباء زائدة مؤكدة مثلها في قوله وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ «١» وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ «٢» وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ «٣» أي إلحاد أو جذع وأيديكم. وقال الفراء : تقول العرب هزه وهزّ به، وخذ الخطام وبالخطام، وحز رأسه وبرأسه، ومده ومد به. وحكى سيبويه : خشنت صدره وبصدره، ومسحت رأسه وبرأسه في معنى واحد، وهذا نص في المسألة.
وعلى هذه المفهومات ظهر الاختلاف بين العلماء في مسح الرأس، فروي عن ابن عمر : أنه مسح اليافوخ فقط، وعن سلمة بن الأكوع أنه كان يمسح مقدم رأسه، وعن ابراهيم والشعبي : أي نواحي رأسك مسحت أجزأك، وعن الحسن : إن لم تصب المرأة إلا شعرة واحدة أجزأها. وأما فقهاء الأمصار فالمشهور من مذهب مالك : وجوب التعميم.
والمشهور من مذهب الشافعي : وجوب أدنى ما ينطلق عليه اسم المسح، ومشهور أبي حنيفة والشافعي : أن الأفضل استيعاب الجميع. ومن غريب ما نقل عمن استدل على أنّ بعض الرأس يكفي أن قوله تعالى : وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ، كقولك : مسحت بالمنديل يدي، فكما أنه لا يدل هذا على تعميم جميع اليد بجزء من أجزاء المنديل فكذلك الآية، فتكون
(٢) سورة مريم : ١٩/ ٢٥.
(٣) سورة البقرة : ٢/ ١٩٥.