البحر المحيط، ج ٤، ص : ١٩٢
للحق من أئمة الزيدية. وقال الحسن البصري، وابن جرير الطبري : يخير بين المسح والغسل ومن أوجب الغسل تأول أنّ الجر هو خفض على الجواز، وهو تأويل ضعيف جدا، ولم يرد إلا في النعت، حيث لا يلبس على خلاف فيه قد قرر في علم العربية، أو تأول على أنّ الأرجل مجرورة بفعل محذوف يتعدى بالباء أي : وافعلوا بأرجلكم الغسل، وحذف الفعل وحرف الجرّ، وهذا تأويل في غاية الضعف. أو تأول على أنّ الأرجل من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة مظنة الإسراف المذموم المنهي عنه، فعطف على الرابع الممسوح لا ليمسح، ولكن لينبّه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها. وقيل : إلى الكعبين، فجيء بالغاية إماطة لظن ظان يحسبها ممسوحة، لأنّ المسح لم يضرب له غاية انتهى هذا التأويل. وهو كما ترى في غاية التلفيق وتعمية في الأحكام. وروي عن أبي زيد : أن العرب تسمي الغسل الخفيف مسحا ويقولون : تمسحت للصلاة بمعنى غسلت أعضائي.
وقرأ نافع، والكسائي، وابن عامر، وحفص : وأرجلكم بالنصب. واختلفوا في تخريج هذه القراءة، فقيل : هو معطوف على قوله : وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأرجلكم إلى الكعبين، وفيه الفصل بين المتعاطفين بجملة ليست باعتراض، بل هي منشئة حكما. وقال أبو البقاء : هذا جائز بلا خلاف. وقال الأستاذ أبو الحسن بن عصفور : وقد ذكر الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه، قال : وأقبح ما يكون ذلك بالجمل، فدل قوله هذا على أنه ينزه كتاب اللّه عن هذا التخريج. وهذا تخريج من يرى أنّ فرض الرجلين هو الغسل، وأما من يرى المسح فيجعله معطوفا على موضع برؤوسكم، ويجعل قراءة النصب كقراءة الجرّ دالة على المسح. وقرأ الحسن : وأرجلكم بالرفع، وهو مبتدأ محذوف الخبر أي : اغسلوها إلى الكعبين على تأويل من يغسل، أو ممسوحة إلى الكعبين على تأويل من يمسح. وتقدم مدلول الكعب. قال ابن عطية : قول الجمهور هما حدّ الوضوء بإجماع فيما علمت، ولا أعلم أحدا جعل حدّ الوضوء إلى العظم الذي في وجه القدم. وقال غيره :
قالت الإمامية : وكل من ذهب إلى وجوب مسح الكعب هو الذي في وجه القدم، فيكون المسح مغيا به. وقال ابن عطية : روى أشهب عن مالك : الكعبان هما العظمان الملتصغان بالساق المحاذيان للعقب، وليس الكعب بالظاهر الذي في وجه القدم، ويظهر ذلك من الآية في قوله : في الأيدي إلى المرافق، إذ في كل يد مرفق. ولو كان كذلك في الأرجل لقيل إلى الكعوب، فلما كان في كل رجل كعبان خصتا بالذكر انتهى. ولا دليل في قوله في