البحر المحيط، ج ٤، ص : ٢٠
واستثنى الخطأ، والاستثناء من النفي إثبات، ومن التحريم إباحة، وقتل الخطأ ليس بمباح بالإجماع، وفي كونه حراما كلام انتهى.
وملخص ما بني على هذا أنه إن كان نفيا وأريد به معنى النهي كان استثناء منقطعا إذ لا يجوز أن يكون متصلا لأنه يصير المعنى : إلا خطأ فله قتله. وإن كان نفيا أريد به التحريم، فيكون استثناء متصلا إذ يصير المعنى : إلا خطأ بأن عرفه كافرا فقتله، وكشف الغيب أنه كان مؤمنا، فيكون قد أبيح الإقدام على قتل الكفرة، وإن كان فيهم من أسلم إذا لم يعلم بهم، فيكون الاستثناء من الحظر إباحة. وقال بعض أهل العلم : المعنى وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا عمدا ولا خطأ فيكون إلا بمعنى : ولا، وأنكر الفراء هذا القول، وقال : مثل هذا لا يجوز، إلا إذا تقدم استثناء آخر، ويكون الثاني عطف استثناء على استثناء، كما في قول الشاعر :
ما بالمدينة دار غير واحدة دار الخليفة إلا دار مروانا
وروى أبو عبيدة عن يونس أنه سأل رؤبة بن العجاج عن هذه الآية فقال : ليس له أن يقتله عمدا ولا خطأ، ولكنه أقام إلا مقام الواو، وهو كقول الشاعر :
وكل أخ مفارقه أخوه لعمر أبيك إلا الفرقدان
والذي يظهر أن قوله : إلا خطأ، استثناء منقطع، وهو قول الجمهور منهم : أبان بن تغلب. والمعنى : لكن المؤمن قد يقتل المؤمن خطأ، والقتل عند مالك عمد وخطأ، فيقاد باللطمة، والعضة، وضرب السوط مما لا يقتل غالبا. وعند الشافعي : عمد، وشبه عمد.
ولا قصاص في شبه العمد، ولا الخطأ. وعند أبي حنيفة : عمد، وخطأ، وشبه، عمد، وما ليس بخطأ ولا عمد ولا شبه عمد. والخطأ ضربان : أن يقصد رمي مشرك أو طائر فيصيب مسلما، أو يظنه مشركا لكونه عليه سيما أهل الشرك، أو في حيزهم. وشبه العمد ما يعمد بما لا يقتل غالبا من حجر أو عصا، وما ليس بخطأ ولا عمد ولا شبه عمد قتل الساهي والنائم. وقرأ الجمهور خطاء على وزن بناء. وقرأ الحسن والأعمش : على وزن سماء ممدودا. وقرأ الزهري : على وزن عصا مقصورا لكونه خفف الهمزة بإبدالها ألفا، أو إلحاقا بدم، أو حذف الهمزة حذفا كما حذف لام دم. وقال ابن عطية : وجوه الخطأ كثيرة، ومربطها عدم القصد.
وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا