البحر المحيط، ج ٤، ص : ٢٠٧
الإيمان باللّه والرسل وبأفعال الخير. وقيل : الضمير في ميثاقهم عائد على بني إسرائيل، ويكون مصدرا شبيها أي : وأخذنا من النصارى ميثاقا مثل ميثاق بني إسرائيل. وقيل : ومن الذين معطوف على قوله : منهم، من قوله : وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ «٥» منهم أي من اليهود، ومن الذين قالوا إنا نصارى. ويكون قوله : أخذنا ميثاقهم مستأنفا، وهذا فيه بعد للفصل، ولتهيئة العامل للعمل في شيء وقطعه عنه دون ضرورة. وقال قتادة : أخذ على النصارى الميثاق كما أخذ على أهل التوراة أن يؤمنوا بمحمد صلى اللّه عليه وسلم، فتركوا ما أمروا به. وقال غيره : أخذ الميثاق عليهم بالعمل بالتوراة، وبكتب اللّه المنزلة وأنبيائه ورسله. وفي قوله :
قالوا إنا نصارى، توبيخ لهم وزجر عما ادعوه من أنهم ناصر ودين اللّه وأنبيائه، إذ جعل ذلك منهم مجرد دعوى لا حقيقة. وحيث جاء النصارى من غير نسبة إلى أنهم قالوا عن أنفسهم ذلك، فإنما هو من باب العلم لم يلحظ فيه المعنى الأول الذي قصدوه من النصر، كما صار اليهود علما لم يحلظ فيه معنى قوله : هدنا إليك. وقال الزمخشري :(فإن قلت) : فهلا قيل :
ومن النصارى؟ (قلت) : لأنهم إنما سموا بذلك أنفسهم ادعاء لنصرة اللّه، وهم الذين قالوا لعيسى : نحن أنصار اللّه ثم اختلفوا بعد إلى نسطورية ويعقوبية وملكانية انتهى. وقد تقدم في أوائل البقرة أنه قيل : سموا نصارى لأنهم من قرية بالشام تسمى ناصرة، وقوله : وهم الذين قالوا لعيسى نحن أنصار اللّه القائل لذلك هم الحواريون، وهم عند الزمخشري كفار، وقد أوضح ذلك على زعمه في آخر هذه السورة، وعند غيره مؤمنون، ولم يختلفوا هم، إنما اختلف من جاء بعدهم ممن يدعي تبعيتهم.
فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ قال أبو عبد اللّه الرازي : في مكتوب الإنجيل أن يؤمنوا بمحمد صلى اللّه عليه وسلم. والحظ هو الإيمان به، وتنكيرا لحظ يدل على أن المراد به حظ واحد وهو الإيمان بالرسول، وخص هذا الواحد بالذكر مع أنهم تركوا أكثر ما أمرهم اللّه به، لأنّ هذا هو المعظم والمهم.
فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ الضمير في بينهم يعود على النصارى قاله الربيع. وقال الزجاج : النصارى منهم والنسطورية واليعقوبية والملكانية، كل فرقة منهم تعادي الأخرى. وقيل : الضمير عائد على اليهود والنصارى، أي : بين اليهود والنصارى قاله مجاهد، وقتادة، والسدّي : فإنهم أعداء يلعن بعضهم بعضا ويكفر بعضهم بعضا.

(٥) سورة المائدة : ٥/ ١٣. [.....]


الصفحة التالية
Icon