البحر المحيط، ج ٤، ص : ٢١٢
عبد اللّه بن الزبير الخبيبيون، وكما كان يقول رهط مسلمة : نحن أبناء اللّه، ويقول أقرباء الملك وحشمه : نحن الملوك. وأحباؤه جمع حبيب فعيل بمعنى مفعول، أي محبوبوه، أجري مجرى فعيل من المضاعف الذي هو اسم الفاعل نحو : لبيب وألباء. وقائل هذه المقالة : بعض اليهود الذين كانوا بحضرة الرسول، فنسب إلى الجميع لأنّ ما وقع من بعض قد ينسب إلى الجميع. قال الحسن : يعنون في القرب منه أي : نحن أقرب إلى اللّه منكم له، يفخرون بذلك على المسلمين.
قال ابن عياش : هم طائفة من اليهود خوفهم الرسول عقاب اللّه فقالوا : أتخوفنا باللّه ونحن أبناء اللّه وأحباؤه؟
وروي أيضا عن ابن عباس : أن يهود المدينة كعب بن الأشرف وغيره من نصارى نجران السيد والعاقب، خاصموا أصحاب الرسول صلى اللّه عليه وسلم، فعيرهم الصحابة بالكفر وغضب اللّه عليهم، فقالت اليهود : إنما غضب اللّه علينا كما يغضب الرّجل على ولده، نحن أبناء اللّه وأحباؤه. هذا قول اليهود، وأما النصارى فإنهم زعموا أنّ عيسى قال لهم : اذهبوا إلى أبي وأبيكم.
قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ أي إن كنتم كما زعمتم، فلم يعذبكم بذنوبكم؟ وكانوا قد قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم في غير ما موطن : نحن ندخل النار فنقيم فيها أربعين يوما، ثم تخلفوننا فيها. والمعنى : لو كانت منزلتكم منه فوق منزلة البشر لما عذبكم، وأنتم قد أقررتم أنه يعذبكم، وهذا على أنّ العذاب هو في الآخرة. ويحتمل أن يريد به العذاب في الدّنيا بمسخ آبائهم على تعديهم في السبت، وبقتل أنفسهم على عبادة العجل، وبالتيه على امتناعهم من قتال الجبارين، وبافتضاح من أذنب منهم بأن يصبح مكتوبا على بابه ذنبه وعقوبته عليه فتنفذ فيهم، والإلزام بكلا التعذيبين صحيح. أما الأول فلإقرارهم أن ذلك سيقع، وأما الآخر فلوقوع ذلك فيما مضى لا يمكن إنكار شيء منه. والاحتجاج بما وقع أقوى. وخرّج الزمخشري التعذيبين : الدنيوي، والأخروي في كلامه، وأشرب تفسير الآية بشيء من مذهبه الاعتزالي، وحرف التركيب القرآني على عادته، فقال : إن صح أنكم أبناء اللّه وأحباؤه، فلم تذنبون وتعذبون بذنوبكم فتمسخون، وتمسكم النار في أيام معدودات على زعمكم؟ ولو كنتم أبناء اللّه لكنتم من جنس الأب غير فاعلين للقبائح، ولا مستوجبين للعذاب. ولو كنتم أحباءه لما عصيتموه، ولما عاقبكم انتهى. ويظهر من قوله : ولو كنتم أحباءه لما عصيتموه، أن يكون أحباؤه جمع حبيب بمعنى محب، لأن المحب لا يعصي من يحبه، بخلاف المحبوب فإنه كثيرا ما يعصي محبه. وقال القشيري : النبوّة تقتضي المحبة، والحق منزه عنها، والمحبة التي بين المتجانسين تقتضي الاختلاط والمؤانسة، والحق