البحر المحيط، ج ٤، ص : ٢٢٠
لهم : إنّ العمالقة أجسام لا قلوب فيها فلا تخافوهم، وارجعوا إليهم فإنكم غالبوهم تشجيعا لهم على قتالهم.
وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ لما رأيا بني إسرائيل قد عصوا الرسول في الإقدام على الجهاد مع وعد اللّه لهم السابق، استرابا في إيمانهم، فأمراهم بالتوكل على اللّه إذ هو الملجأ والمفزع عند الشدائد، وعلق ذلك بشرط الإيمان الذي استرابا في حصوله لبني إسرائيل.
قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها لما كرر عليهم أمر القتال كرروا الامتناع على سبيل التوكيد بالمولين، وقيدوا أولا نفي الدخول بالظرف المختص بالاستقبال وحقيقته التأبيد، وقد يطلق على الزمان المتطاول فكأنهم نفوا الدخول طول الأبد، ثم رجعوا إلى تعليق ذلك بديمومة الجبارين فيها، فأبدلوا زمانا مقيدا من زمان هو ظاهر في العموم في الزمان المستقبل، فهو بدل بعض من كل.
فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا ظاهر الذهاب الانتقال، وهذا يدل على أنهم كانوا مشبهة، ولذلك قال الحسن : هو كفر منهم باللّه تعالى. قال الزمخشري : والظاهر أنهم قالوا ذلك استهانة باللّه ورسله وقلة مبالاة بهما واستهزاء، وقصدوا ذهابهما حقيقة لجهلهم وجفائهم وقسوة قلوبهم التي عبدوا بها العجل، وسألوا بها رؤية اللّه جهرة، والدليل عليه مقابلة ذهابهما بقعودهم.
ويحكى أنّ موسى وهارون خرّا لوجوههما قدامهم لشدة ما ورد عليهما فسموا برجمهما
، ولأمر ما قرن اللّه اليهود بالمشركين وقدمهم عليهم في قوله تعالى :
لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا «١» وقيل : يحتمل أن لا يقصدوا الذهاب حقيقة، ولكن كما تقول : كلمته فذهب يحيبني، يريد معنى الإرادة والقصد للجواب، كأنهم قالوا : أريد إقبالهم.
والمراد بالرّب هنا هو اللّه تعالى. وذكر النقاش عن بعض المفسرين هنا أن المراد بالرّب هارون، لأنه كان أسن من موسى، وكان معظما في بني إسرائيل محببا لسعة خلقه ورحب صدره، فكأنهم قالوا : اذهب أنت وكبيرك. وهو تأويل بعيد يخلص بني إسرائيل من الكفر. وربك معطوف على الضمير المستكن في اذهب المؤكد بالضمير المنفصل، وقد تقدّم الكلام على ذلك في قوله : اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ «٢» ورددنا قول من ذهب

(١) سورة المائدة : ٥/ ٨٢.
(٢) سورة البقرة : ٢/ ٣٥.


الصفحة التالية
Icon