البحر المحيط، ج ٤، ص : ٢٢٣
التيه. قال ابن عطية : ولم يختلف في هذا. وروي : أنّ موسى مات في التيه بعد هارون بثمانية أعوام. وقيل : بستة أشهر ونصف. وقيل : بسنة ونبأ اللّه يوشع بعد كمال الأربعين سنة فصدقه بنو إسرائيل، وأخبرهم أن اللّه تعالى أمره بقتال الجبابرة فصدّقوه وبايعوه، وسار فيهم إلى أريحا وقتل الجبارين وأخرجهم، وصار الشام كله لبني إسرائيل. وفي تلك الحرب وقفت له الشمس ساعة حتى استمر هزم الجبارين
، وقد ألمّ بذكر وقوف الشمس ليوشع أبو تمام في شعره فقال :
فردت علينا الشمس والليل راغم بشمس بدت من جانب الخدر تطلع
نضا ضوؤها صبغ الدجنة وانطوى لبهجتها ثوب السماء المجزع
فو اللّه ما أدري أأحلام نائم ألمت بنا أم كان في الركب يوشع
والظاهر أن العامل في قوله : أربعين محرمة، فيكون التحريم مقيدا بهذه المدة، ويكون يتيهون مستأنفا أو حالا من الضمير في عليهم. ويجوز أن يكون العامل يتيهون أي :
يتيهون هذه المدة في الأرض، ويكون التحريم على هذا غير مؤقت بهذه المدة، بل يكون إخبارا بأنهم لا يدخلونها، وأنهم مع ذلك يتيهون في الأرض أربعين سنة يموت فيها من مات. وروي أنه من كان جاوز عشرين سنة لم يعش إلى الخروج من التيه، وأنّ من كان دون العشرين عاشوا، كأنه لم يعش المكلفون العصاة، أشار إلى ذلك الزجاج، ولذلك ذهب إلى أن العامل في أربعين محرمة. وقال ابن عطية : يحتمل أن يكون العامل في أربعين مضمرا يدل عليه يتيهون المتأخر انتهى. ولا أدري ما الحامل له على قوله : إن العامل مضمر كما ذكر؟ بل الذي جوز الناس في ذلك أن يكون العامل فيه يتيهون نفسه، لا مضمر يفسره قوله : يتيهون في الأرض. والأرض التي تاهوا فيها على ما حكى طولها ثلاثون ميلا، في عرض ستة فراسخ، وهو ما بين مصر والشام. وقال ابن عباس : تسعة فراسخ، قال مقاتل : هذا عرضها، وطولها ثلاثون فرسخا. وقيل : ستة فراسخ في طول اثنى عشر فرسخا، وقيل : تسعة فراسخ. وتظافرت أقوال المفسرين على أن هذا التيه على سبيل خرق العادة، فإنه عجيب من قدرة اللّه تعالى، حيث جاز على جماعة من العقلاء أن يسيروا فراسخ يسيرة ولا يهتدون للخروج منها. روي أنهم كانوا يرحلون بالليل ويسيرون ليلهم أجمع، حتى إذا أصبحوا وجدوا جملتهم في الموضع الذي ابتدأوا منه، ويسيرون النهار جادين حتى إذا أمسوا إذا هم بحيث ارتحلوا عنه، فيكون سيرهم تحليقا. قال مجاهد


الصفحة التالية
Icon