البحر المحيط، ج ٤، ص : ٢٣٨
الفساد المشار إليه بعد هذه الآية. وقال ابن عطية : لم يتخلص التشبيه إلى طرفي شيء من هذه الأقوال، والذي أقول : إنّ التشبيه بين قاتل النفس وقاتل الكل لا يطرد من جميع الجهات، لكن الشبه قد يحصل من ثلاث جهات. إحداها : القود فإنه واحد. والثانية :
الوعيد، فقد وعد اللّه قاتل النفس بالخلود في النار، وتلك غاية العذاب. فإن ترقبناه يخرج من النار بعد ذلك بسبب التوحيد، فكذلك قاتل الجميع أن لو اتفق ذلك. والثالثة : انتهاك الحرمة فإن نفسا واحدة في ذلك وجميع الأنفس سواء، والمنتهك في واحدة ملحوظ بعين منتهك الجميع. ومثال ذلك رجلان حلفا على شجرتين أن لا يطعما من ثمرتيهما شيئا، فطعم أحدهما واحدة من ثمرة شجرته، وطعم الآخر ثمر شجرتيه كله، فقد استويا في الحنث انتهى. وقال غيره : قيل المشابهة في الإثم، والمعنى : أن عليه إثم من قتل الناس جميعا قاله : الحسن والزجاج. وقيل : التشبيه في العذاب ومعناه أنه يصلى النار بقتل المسلم، كما لو قال قتل الناس قاله : مجاهد وعطاء، وهذا فيه نظر. لأن العذاب يخفف ويثقل بحسب الجرائم. وقيل : التشبيه من حيث القصاص قاله : ابن زيد. وتقدم. وقيل :
التشبيه من جهة الإنكار على قبح الفعل والمعنى : أنه ينبغي لجميع الناس أن يعينوا وليّ المقتول حتى يقيدوه منه، كما لو قتل أولياءهم جميعا ذكره : القاضي أبو يعلى. وهذا الأمر كان مختصا ببني إسرائيل، غلظ عليهم كما غلظ عليهم بقتل أنفسهم. قاله بعض العلماء.
وقال قوم : هذا عام فيهم وفي غيرهم. قال سليمان بن عليّ : قلت : للحسن يا أبا سعيد هي لنا كما كانت لبني إسرائيل؟ قال : أي والذي لا إله غيره، ما كان دماء بني إسرائيل أكرم على اللّه من دمائنا. وقيل في قوله : ومن أحياها أي : استنقذها من الهلكة. قال عبد اللّه، والحسن، ومجاهد أي من غرق أو حرق أو هلاك. وقيل من عضد نبيا أو إماما عادلا، لأن نفعه عائد على الناس جميعا. وقيل : من ترك قتل النفس المحرمة فكأنما أحيا الناس بكفه أذاه عنهم. وقيل : من زجر عن قتل النفس ونهى عنه. وقيل : من أعان على استيفاء القصاص لأنه قال : وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ «١». قال الحسن : وأعظم إحيائها أن يحييها من كفرها، ودليله : أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً «٢» انتهى والإحياء هنا مجاز، لأنّ الإحياء حقيقة هو للّه تعالى، وإنما المعنى : ومن استسقاها ولم يتلفها، ومثل هذا المجاز قول محاج ابراهيم : أنا أحيي سمي الترك إحياء.
وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ.

(١) سورة البقرة : ٢/ ١٧٩.
(٢) سورة الأنعام : ٦/ ١٢٢.


الصفحة التالية
Icon