البحر المحيط، ج ٤، ص : ٢٤٠
ومحاربة اللّه تعالى غير ممكنة، فيحمل على حذف مضاف أي : محاربون أولياء اللّه ورسوله، وإلا لزم أن يكون محاربة اللّه ورسوله جمعا بين الحقيقة والمجاز. فإذا جعل ذلك على حذف مضاف، أو حملا على قدر مشترك اندفع ذلك، وقول ابن عباس : المحاربة هنا الشرك، وقول عروة : الارتداد، غير صحيح عند الجمهور، وقد أورد ما يبطل قولهما.
وفي قوله : يحاربون اللّه ورسوله، تغليظ شديد لأمر الحرابة، والسعي في الأرض فسادا يحتمل أن يكون المعنى بمحاربتهم، أو يضيفون فسادا إلى المحاربة. وانتصب فسادا على أنه مفعول له، أو مصدر في موضع الحال، أو مصدر من معنى يسعون في الأرض معناه : يفسدون، لمّا كان السعي للفساد جعل فسادا. أي : إفسادا. والظاهر في قوله : العقوبات الأربع أن الإمام مخير بين إيقاع ما شاء منها بالمحارب في أي رتبة كان المحارب من الرتب على قدّمناها، وبه قال : النخعي، والحسن، في رواية وابن المسيب، ومجاهد، وعطاء، وهو : مذهب مالك، وجماعة. وقال مالك : استحسن أن يأخذ في الذي لم يقتل بأيسر العقاب، ولا سيما : أن لم يكن ذا شرور معروفة، وأما إن قتل فلابد من قتله.
وقال ابن عباس، وأبو مجلز، وقتادة، والحسن أيضا وجماعة : لكل رتبة من الحرابة رتبة من العقاب، فمن قتل قتل، ومن أخذ المال ولم يقتل فالقطع من خلاف، ومن أخاف فقط فالنفي، ومن جمعها قتل وصلب. والقائلون بهذا الترتيب اختلفوا، فقال : أبو حنيفة، ومحمد، والشافعي، وجماعة، وروي عن مالك : يصلب حيا ويطعن حتى يموت. وقال جماعة : يقتل ثم يصلب نكالا لغيره، وهو قول الشافعي. والقتل إما ضربا بالسيف للعنق، وقيل : ضربا بالسيف أو طعنا بالرمح أو الخنجر، ولا يشترط في قتله مكافأة لمن قتل. وقال الشافعي : تعتبر فيه المكافأة في القصاص. ومدة الصلب يوم أو ثلاثة أيام، أو حتى يسيل صديده، أو مقدار ما يستبين صلبه. وأما القطع فاليد اليمنى من الرسغ، والرجل الشمال من المفصل. وروي عن علي : أنه من الأصابع ويبقى الكف، ومن نصف القدم ويبقى العقب.
وهذا خلاف الظاهر، لأن الأصابع لا تسمى يدا، ونصف الرجل لا يسمى رجلا.
وقال مالك : قليل المال وكثيره سواء، فيقطع المحارب إذا أخذه. وقال أصحاب الرأي والشافعي لا يقطع إلا من أخذ ما يقطع فيه السارق. وأما النفي فقال السدي : هو أن يطالب أبدا بالخيل والرجل حتى يؤخذ فيقام عليه حد اللّه ويخرج من دار الإسلام. وروي عن ابن عباس وأنس : نفيه أن يطلب، وروي ذلك عن الليث ومالك، إلا أن مالكا قال : لا يضطر


الصفحة التالية
Icon