البحر المحيط، ج ٤، ص : ٢٦
بكونه من قوم عدو، وقيد في الجملة الثانية بكونه من قوم معاهدين، والمعنى في النسب لا في الدين، لأنه مؤمن وهم كفار. فإذا تقيدت هاتان الجملتان دل ذلك على تقييد الأولى بأن يكون من المؤمنين في النسب، وهي من قتل مؤمنا خطأ كأنه قال : وأهله مؤمنون لا حربيون ولا معاهدون. ولا يمكن حمله على الإطلاق للتعارض والتعاند الذي بينه وبين الآيتين بعد.
وقال أبو بكر الرازي : قوله : وإن كان من قوم عدو لكم، استئناف كلام لم يتقدم له ذكر في الخطاب، لأنه لا يجوز أعط هذا رجلا وإن كان رجلا فاعطه، فهذا كلام فاسد لا يتكلم به حكيم، فثبت أنّ هذا المؤمن المعطوف على الأول غير داخل في الخطاب. ثم قال : ظاهر الآية يعني : وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق، يقتضي أن يكون المقتول المذكور في الآية ذا عهد، وأنه غير جائز إضمار الإيمان له إلا بدلالة، ويدل عليه : أنه لما أراد مؤمنا من أهل دار الحرب ذكر الإيمان فقال : وهو مؤمن، لأنه لو أطلق لاقتضى الإطلاق أن يكون كافرا من قوم عدو لكم انتهى كلامه.
أما قوله : استئناف لم يتقدم له ذكر في الخطاب، فليس بصحيح، بل تقدم له ذكر في الخطاب في قوله : وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ، ومن قتل مؤمنا خطأ، ولكنه ليس استئنافا، إنما هو من باب التقسيم كما ذكرناه. بدأ أولا بالأشرف وهو المؤمن، وأهله مؤمنون ليسوا بحربيين ولا معاهدين. وأما قوله : لأنه لا يجوز أعط هذا رجلا وإن كان رجلا فأعطه، فهذا ليس نظير الآية بوجه، وإنما الضمير في كان عائدا على المقتول خطأ، المؤمن إذا كان من قوم عدو لكم، وجاء قوله : وهو مؤمن على سبيل التوكيد لا سبيل التقييد، إذ القيد مفهوم مما قبله في الاستثناء، وفي جملة الشرط. وقوله : ويدل عليه إلى آخره، لا يدل عليه لما ذكرنا أنّ الحال مؤكدة، وفائدة تأكيدها أن لا يتوهم أنّ الضمير يعود على مطلق المقتول لا بقيد الإيمان. وقوله : لأنه لو أطلق لاقتضى الإطلاق أن يكون كافرا من قوم عدو، وليس كذلك بل لو لم يأت بقوله : وهو مؤمن، لكان الضمير الذي في كان عائدا على المقتول خطأ، لأنّه لم يجر ذكر لغيره، فلا يعود الضمير على غير من لم يجر له ذكر، ويترك عوده على ما يجري عليه ذكر.
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ يعني : رقبة لم يملكها، ولا وجد ما يتوصل به إلى ملكها، فعليه صيام شهرين متتابعين. وظاهر الآية يقضي أنه لا يجب غير ذلك، إذ


الصفحة التالية
Icon