البحر المحيط، ج ٤، ص : ٢٦٧
جماعة : الهدى والنور سواء، وكرر للتأكيد. وقال قوم : ليسا سواء، فالهدى محمول على بيان الأحكام، والنور والبيان للتوحيد والنبوة والمعاد. قال الزمخشري : يهدي للعدل والحق، ونور يبين ما استبهم من الأحكام. وقال ابن عطية : الهدى الإرشاد المعتقد والشرائع، والنور ما يستضاء به من أوامرها ونواهيها. وقيل : المعنى فيها بيان أمر الرسول وما جاءوا يستفتون فيه.
يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا ظاهر قوله : النبيون، الجمع.
قالوا : وهم من لدن موسى إلى عيسى. وقال عكرمة : محمد ومن قبله من الأنبياء. وقيل :
النبيون الذين هم على دين ابراهيم. وقال الحسن والسدي : هو محمد صلى اللّه عليه وسلم، وذلك حين حكم على اليهود بالرجم وذكره بلفظ الجمع كقوله : أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ «١» والَّذِينَ أَسْلَمُوا وصف مدح الأنبياء كالصفات التي تجري على اللّه تعالى، وأريد بإجرائها التعريض باليهود والنصارى، حيث قالت اليهود : إن الأنبياء كانوا يهودا، والنصارى قالت :
كانوا نصارى، فبين أنهم كانوا مسلمين، كما كان ابراهيم عليه السّلام. ولذلك جاء : هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ «٢» ونبه بهذا الوصف أنّ اليهود والنصارى بعداء من هذا الوصف الذي هو الإسلام، وأنه كان دين الأنبياء كلهم قديما وحديثا. والظاهر أنّ الذين هادوا متعلق بقوله : يحكم بها النبيون. وقيل : بأنزلنا. وقيل : التقدير هدى ونور للذين هادوا يحكم بها النبيون. وفي قوله : للذين هادوا، تنبيه على أنهم ليسوا مسلمين، بل هم بعداء من ذلك. واللام في للذين هادوا إذا علقت بيحكم للاختصاص، فيشمل من يحكم له ومن يحكم عليه. وقيل : ثم محذوف أي : للذين هادوا وعليهم. وقيل : اللام بمعنى على، أي على الذين هادوا.
وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ هما بمعنى واحد، وهم العلماء. قاله الأكثرون ومنهم : ابن قتيبة والزجاج. وقال مجاهد : الربانيون الفقهاء العلماء، وهم فوق الأحبار. وقال السدي :
الربانيون العلماء، والأحبار الفقهاء. وقال ابن زيد : الربانيون الولاة، والأحبار العلماء.
وقيل : الربانيون علماء النصارى، والأحبار علماء اليهود، وقد تقدم شرح الرباني. وقال الزمخشري : والربانيون والأحبار الزهاد، والعلماء من ولد هارون الذين التزموا طريقة النبيين وجانبوا، دين اليهود. وقال السدي : المراد هنا بالربانيين والأحبار الذين يحكمون

(١) سورة النساء : ٤/ ٥٤.
(٢) سورة الحج : ٢٢/ ٧٨.


الصفحة التالية
Icon