البحر المحيط، ج ٤، ص : ٢٧٦
القصاص، فلا خلاف في وجوبها فيه، وما لا فلا قصاص فيه كالمأمومة. وقال أبو عبيد :
فليس في شيء من الشجاج قصاص إلا في الموضحة خاصة، لأنه ليس شيء منها له حد ينتهي إليه سواها، وأما غيرها من الشجاج ففيه ديته انتهى. وقال غيره : في الخارصة القصاص بمقدارها إذا لم يخش منها سراية، وأقاد ابن الزبير من المأمومة، وأنكر الناس عليه. قال عطاء : ما علمنا أحدا أقاد منها قبله. وأما الجروح في اللحم فقال : فقد ذكر بعض أهل العلم أن القصاص فيها ممكن بأن يقاس بمثل، ويوضع بمقدار ذلك الجرح.
فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ المتصدق صاحب الحق. ومستوفي القصاص الشامل للنفس والأعضاء وللجروح التي فيها القصاص، وهو ضمير يعود على التصدق أي :
فالتصدق كفارة للمتصدق، والمعنى : أنّ من تصدق بجرحه يكفر عنه، قاله : عبد اللّه بن مسعود، وعبد اللّه بن عمر، وعبد اللّه بن عمرو، وجابر، وأبو الدرداء، وقتادة، والحسن، والشعبي. وذكر أبو الدرداء أنه سمع النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول :«ما من مسلم يصاب بشيء من جسده فيهبه إلا رفعه اللّه بذلك درجة وحط عنه خطيئة»
وذكر مكي حديثا من طريق الشعبي :«أنه يحط عنه من ذنوبه ما عفى عنه من الدية»
وعن عبد اللّه بن عمر : يهدم عنه ذنوبه بقدر ما تصدق. وقيل : الضمير في له عائد على الجاني وإن لم يتقدّم له ذكر، لكنه يفهم من سياق الكلام، ويدل عليه المعنى. والمعنى : فذلك العفو والتصدق كفارة للجاني تسقط عنه ما لزمه من القصاص. وكما أن القصاص كفارة، كذلك العفو كفارة، وأجر العافي على اللّه تعالى قاله : ابن عباس، والسبيعي، ومجاهد، وابراهيم، والشعبي، وزيد بن أسلم، ومقاتل. وقيل : المتصدق هو الجاني، والضمير في له يعود عليه. والمعنى : إذا جنى جان فجهل وخفى أمره فتصدق هو بأن عرف بذلك ومكن من نفسه، فذلك الفعل كفارة لذنبه. وقال مجاهد : إذا أصاب رجل رجلا ولم يعلم المصاب من أصابه فاعترف له المصيب فهو كفارة للمصيب. وأصاب عروة عند الركن إنسانا وهم يستلمون فلم يدر المصاب من أصابه فقال له عروة : أنا أصبتك، وأنا عروة بن الزبير، فإن كان يلحقك بها بأس فأنا بها. وعلى هذا القول يحتمل أن يكون تصدق تفعل من الصدقة، ويحتمل أن يكون من الصدق.
وقرأ أبي : فهو كفارة له يعني : فالتصدق كفارته، أي الكفارة التي يستحقها له لا ينقص منها، وهو تعظيم لما فعل لقوله : فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ «١» وترغيب في العفو. وتأول

(١) سورة الشورى : ٤٢/ ٤٠. [.....]


الصفحة التالية
Icon