البحر المحيط، ج ٤، ص : ٢٨٧
وقال ابن عباس : المراد بالفسق هنا الكفر. وقال مقاتل : المعاصي. وقال ابن زيد : الكذب وظاهر الناس العموم، وإن كان السياق في اليهود، وجاء بلفظ العموم لينبه من سواهم.
ويحتمل أن يكون الناس للعهد، وهم اليهود الذين تقدم ذكرهم.
أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ هذا استفهام معناه الإنكار على اليهود، حيث هم أهل كتاب وتحليل وتحريم من اللّه تعالى، ومع ذلك يعرضون عن حكم اللّه ويختارون عليه حكم الجاهلية، وهو بمجرد الهوى من مراعاة الأشرف عندهم، وترجيح الفاضل عندهم في الدنيا على المفضول، وفي هذا أشد النعي عليهم حيث تركوا الحكم الإلهي بحكم الهوى والجهل. وقال الحسن : هو عام في كل من يبتغي غير حكم اللّه. والحكم حكمان :
حكم بعلم، فهو حكم اللّه. وحكم بجهل فهو حكم الشيطان. وسئل عن الرجل يفضل بعض ولده على بعض فقرأ هذه الآية. وقرأ الجمهور : أفحكم بنصب الميم، وهو مفعول يبغون. وقرأ السلمي، وابن وثاب، وأبو رجاء، والأعرج : أفحكم الجاهلية برفع الميم على الابتداء. والظاهر أن الخبر هو قوله : يبغون، وحسن حذف الضمير قليلا في هذه القراءة كون الجملة فاصلة. وقال ابن مجاهد : هذا خطأ. قال ابن جني : وليس كذلك، وجد غيره أقوى منه وقد جاء في الشعر انتهى.
وفي هذه المسألة خلاف بين النحويين. وبعضهم يجيز حذف هذا الضمير في الكلام، وبعضهم يخصه بالشعر، وبعضهم يفصل. وهذه المذاهب ودلائلها مذكورة في علم النحو. وقال الزمخشري : وإسقاط الراجع عنه كإسقاطه عن الصلة في «أهذا الذي بعث اللّه رسولا» وعن الصفة في : الناس رجلان، رجل أهنت ورجل أكرمت. وعن الحال في : مررت بهند تضرب زيدا انتهى. فإن كان جعل الإسقاط فيه مثل الإسقاط في الجواز والحسن، فليس كما ذكر عند البصريين، بل حذفه من الصلة بشروط الحذف فصيح، وحذفه من الصفة قليل، وحذفه من الخبر مخصوص بالشعر، أو في نادر. وإن كان شبهه به من حيث مطلق الإسقاط فهو صحيح. وقال ابن عطية : وإنما تتجه القراءة على أن يكون التقدير : أفحكم الجاهلية حكم تبغون، فلا تجعل تبغون خبرا بل تجعل صفة خبر محذوف، ونظيره : مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ «١» تقديره قوم يحرفون انتهى. وهو توجيه ممكن.
وقرأ قتادة والأعمش : أفحكم بفتح الحاء والكاف والميم، وهو جنس لا يراد به واحد كأنه