البحر المحيط، ج ٤، ص : ٢٩٨
كراسيهم خربها اللّه، وفي مراقصهم عطلها اللّه، بأبيات الغزل المقولة في المردان الذين يسمونهم شهداء اللّه وصعقاتهم التي تشبه صعقة موسى عند دك الطور، فتعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا. ومن كلماته كما أنه بذاته يحبهم، كذلك يحبون ذاته، فإن الهاء راجعة إلى الذات دون النعوت والصفات. ومنها الحب شرطه أن تلحقه سكرات المحبة، فإذا لم يكن ذلك لم يكن فيه حقيقة انتهى كلام الزمخشري رحمه اللّه تعالى. وقال بعض المعاصرين :
قد عظم أمر هؤلاء المنفعلة عند العامة وكثر القول فيهم بالحلول والوحدة، وسر الحروف، وتفسير القرآن على طريق القرامطة الكفار الباطنية، وادعاء أعظم الخوارق لأفسق الفساق، وبغضهم في العلم وأهله، حتى أن طائفة من المحدثين قصدوا قراءة الحديث على شيخ في خانقاتهم يروي الحديث فبنفس ما قرأوا شيئا من حديث الرسول. خرج شيخ الشيوخ الذين هم يقتدون به، وقطع قراءة الحديث، وأخرج الشيخ المسمع والمحدثين وقال :
روحوا إلى المدارس شوشتم علينا. ولا يمكنون أحدا من قراءة القرآن جهرا، ولا من الدرس للعلم. وقد صح أنّ بعضهم ممن يتكلم بالدهر على طريقتهم، سمع ناسا في جامع يقرأون القرآن فصعد كرسيه الذي يهدر عليه فقال : يا أصحابنا شوشوا علينا، وقام نافضا ثوبه، فقام أصحابه وهو يدلهم لقراء القرآن، فضربوهم أشد الضرب، وسلّ عليهم السيف من اتباع ذلك الهادر وهو لا ينهاهم عن ذلك. وقد علم أصحابه كلاما افتعلوه على بعض الصالحين حفظهم إياه يسردونه حفظا كالسورة من القرآن، وهو مع ذلك لا يعلمهم فرائض الوضوء، ولا سننه، فضلا عن غيرها من تكاليف الإسلام. والعجب أن كلا من هؤلاء الرؤوس يحدث كلاما جديدا يعلمه أصحابه حتى يصير لهم شعارا، ويترك ما صح عن الرسول صلى اللّه عليه وسلم من الأدعية المأثورة المأمور بها. وفي كتاب اللّه تعالى على غثاثة كلامهم، وعاميته، وعدم فصاحته، وقلة محصوله، وهم مستمسكون به كأنه جاءهم به وحي من اللّه.
ولن ترى أطوع من العوام لهؤلاء يبنون لهم الخوانق والربط، ويرصدون لهم الأوقاف، وهم أبغض الناس في العلم والعلماء، وأحبهم لهذه الطوائف. والجاهلون لأهل العلم أعداء.
أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ هو جمع ذليل لا جمع ذلول الذي هو نقيض الضعف، لأن ذلولا لا يجمع على أذلة بل ذلل، وعدي أذلة بعلى وإن كان الأصل باللام، لأنه ضمنه معنى الحنو والعطف كأنه قال : عاطفين على المؤمنين على وجه التذلل والتواضع. قيل : أو لأنه على حذف مضاف التقدير : على فضلهم على المؤمنين، والمعنى أنهم يذلون ويخضعون لمن فضلوا عليه مع شرفهم وعلو مكانهم، وهو نظير قوله :