البحر المحيط، ج ٤، ص : ٣١٩
وبعيسى عليه السّلام. وقيل : المعاصي التي لعنوا بسببها. وقيل : الشرك. قال الزمخشري : ولو أنهم آمنوا بمحمد صلى اللّه عليه وسلم وبما جاء به، وقرنوا إيمانهم بالتقوى التي هي الشريطة في الفوز بالإيمان، لكفرنا عنهم تلك السيئات، فلم نؤاخذهم بها، ولأدخلناهم مع المسلمين الجنة. وفيه إعلام بعظم معاصي اليهود والنصارى وكثرة سيئاتهم، ودلالة على سعة رحمة اللّه تعالى وفتحه باب التوبة على كل عاص وإن عظمت معاصيه وبلغت مبالغ سيئات اليهود والنصارى، وأن الإيمان لا ينجي ولا يسعد إلا مشفوعا بالتقوى كما قال الحسن : هذا العمود فأين الأطناب؟ انتهى كلامه. وفيه من الاعتزال. وقرنوا إيمانهم بالتقوى التي هي الشريطة في الفوز بالإيمان، وقوله : وأن الإيمان لا ينجي ولا يسعد إلا مشفوعا بالتقوى.
وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ هذا استدعاء لإيمانهم، وتنبيه لهم على اتباع ما في كتبهم، وترغيب لهم في عاجل الدنيا وبسط الرزق عليهم فيها، إذ أكثر ما في التوراة من الموعود به على الطاعات هو الإحسان إليهم في الدنيا. ولمّا رغبهم في الآية قبل في موعود الآخرة من تكفير السيئات وإدخالهم الجنة، رغبهم في هذه الآية في موعود الدنيا ليجمع لهم بين خيري الدنيا والآخرة، وكان تقديم موعود الآخرة أهمّ لأنه هو الدائم الباقي، والذي به النجاة السرمدية، والنعيم الذي لا ينقضي. ومعنى إقامة التوراة والإنجيل : هو إظهار ما انطوت عليه من الأحكام والتبشير بالرسول والأمر باتباعه كقولهم : أقاموا السوق أي حركوها وأظهروها، وذلك تشبيه بالقائم من الناس إذ هي أظهر هيئاته. وفي قوله : والإنجيل دليل على دخول النصارى في لفظ أهل الكتاب. وظاهر قوله : وما أنزل إليهم من ربهم، العموم في الكتب الإلهية مثل : كتاب أشعياء، وكتاب حزقيل، وكتاب دانيال، فإنها مملوءة من البشارة بمبعث الرسول. وقيل : ما أنزل إليهم من ربهم هو القرآن. وظاهر قوله : لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، أنه استعارة عن سبوغ النعم عليهم، وتوسعة الرزق عليهم، كما يقال : قد عمه الرزق من فرقه إلى قدمه ولا فوق ولا تحت حكاه الطبري والزجاج. وقال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والسدّي : لأعطتهم السماء مطرها وبركتها، والأرض نباتها كما قال تعالى : لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ «١» وذكر النقاش من فوقهم من

(١) سورة الأعراف : ٧/ ٩٦.


الصفحة التالية
Icon