البحر المحيط، ج ٤، ص : ٣٢١
بالإلزام، ولم يجعل خبرا، وجعل خبر الجملة التي هي ساء ما يعملون، لأن الخبر ليس من شأنه اللزوم، فهم بصدد أن يسلم ناس منهم فيزول عنهم الإخبار بمضمون هذه الجملة، واختار الزمخشري في ساء أن تكون التي لا تنصرف، فإن فيه التعجب كأنه قيل :
ما أسوأ عملهم! ولم يذكر غير هذا الوجه. واختار ابن عطية أن تكون المتصرفة تقول : ساء الأمر يسوء، وأجاز أن تكون غير المتصرفة فتستعمل استعمال نعم وبئس كقوله : ساء مثلا.
فالمتصرفة تحتاج إلى تقدير مفعول أي ساء ما كانوا يعملون بالمؤمنين، وغير المتصرفة تحتاج إلى تمييز أي : ساء عملا ما كانوا يعملون.
يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هذا نداء بالصفة الشريفة التي هي أشرف أوصاف الجنس الإنساني، وأمر بتبليغ ما أنزل إليه وهو صلى اللّه عليه وسلم قد بلغ ما أنزل إليه، فهو أمر بالديمومة. قال الزمخشري : جميع ما أنزل إليك، وأي شيء أنزل غير مراقب في تبليغه أحدا ولا خائف أن ينالك مكروه. وقال ابن عطية : أمر من اللّه لرسوله بالتبليغ على الاستيفاء والكمال، لأنه قد قال : بلغ، فإنما أمر في هذه الآية أن لا يتوقف على شيء مخافة أحد، وذلك أنّ رسالته عليه السّلام تضمنت الطعن على أنواع الكفرة وفساد أحوالهم، فكان يلقى منهم عنتا، وربما خافهم أحيانا قبل نزول هذه الآية. وعن ابن عباس عنه عليه السّلام :«لما بعثني اللّه برسالته ضقت بها ذرعا وعرفت أن من الناس من يكذبني فأنزل اللّه هذه الآية».
وقيل : هو أمر بتبليغ خاص أي : ما أنزل إليك من الرجم والقصاص الذي غيره اليهود في التوراة والنصارى في الإنجيل. وقيل : أمر بتبليغ أمر زينب بنت جحش ونكاحها. وقيل : بتبليغ الجهاد والحث عليه، وأن لا يتركه لأجل أحد. وقيل : أمر بتبليغ معائب آلهتهم، إذ كان قد سكت عند نزول قوله : وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ «١» الآية عن عيبها وكل واحد من هذا التبليغ الخاص. قيل : أنها نزلت بسببه، والذي يظهر أنه تعالى أمنه من مكر اليهود والنصارى، وأمره بتبليغ ما أنزل إليه في أمرهم وغيره من غير مبالاة بأحد، لأن الكلام قبل هذه الآية وبعدها هو معهم، فيبعد أن تكون هذه الآية أجنبية عما قبلها وعما بعدها.
وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ أي وإن لم تفعل بتبليغ ما أنزل إليك، وظاهر هذا الجواب لا ينافي الشرط، إذ صار المعنى : وإن لم تفعل لم تفعل، والجواب لا بد أن يغاير

(١) سورة الأنعام : ٦/ ١٠٨.


الصفحة التالية
Icon