البحر المحيط، ج ٤، ص : ٣٢٩
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ تقدم شرح هذه الجملة وقائلو ذلك : هم اليعقوبية، زعموا أن اللّه تعالى تجلى في شخص عيسى عليه السّلام.
وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ردّ اللّه تعالى مقالتهم بقول من يدعون إلهيته وهو عيسى، أنه لا فرق بينه وبينهم في أنهم كلهم مربوبون، وأمرهم بإخلاص العبادة، ونبه على الوصف الموجب للعبادة وهو الربوبية. وفي ذلك ردّ عليهم في فساد دعواهم، وهو أن الذي يعظمونه ويرفعون قدره عما ليس له يردّ عليهم مقالتهم، وهذا الذي ذكره تعالى عنه هو مذكور في إنجيلهم يقرأونه ولا يعملون به، وهو قول المسيح :
يا معشر بني المعمودية. وفي رواية : يا معشر الشعوب قوموا بنا إلى أبي وأبيكم، وإلهي وإلهكم، ومخلصي ومخلصكم.
إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ الظاهر أنه كلام المسيح، فهو داخل تحت القول. وفيه أعظم ردع منه عن عبادته، إذ أخبر أنه من عبد غير اللّه منعه اللّه دار من أفرده بالعبادة، وجعل مأواه النار. إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ «١». وقيل : هو من كلام اللّه تعالى مستأنف، أخبر بذلك على سبيل الوعيد والتهديد. وفي الحديث الصحيح من حديث عتبان بن مالك عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«إن اللّه حرم النار على من قال لا إله إلا اللّه يبتغي بذلك وجه اللّه».
وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ ظاهره أنه من كلام عيسى، أخبرهم أنه من تجاوز ووضع الشيء غير موضعه فلا ناصر له، ولا مساعد فيما افترى وتقوّل، وفي ذلك ردع لهم عما انتحلوه في حقهم من دعوى أنه إله، وأنه ظلم إذ جعلوا ما هو مستحيل في العقل واجبا وقوعه، أو فلا ناصر له ولا منجي من عذاب اللّه في الآخرة. ويحتمل أن يكون من كلام اللّه تعالى، أخبر أنهم ظلموا وعدلوا عن الحق في أمر عيسى وتقوّلهم عليه، فلا ناصر لهم على ذلك.
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ هؤلاء هم الملكية من النصارى القائلون بالتثليث. وظاهر قوله : ثالث ثلاثة، أحد آلهة ثلاثة. قال المفسرون : أرادوا بذلك أن اللّه تعالى وعيسى وأمه آلهة ثلاثة، ويؤكده