البحر المحيط، ج ٤، ص : ٣٣١
لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ «١» ونظير هذه الآية : وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ «٢» ومثله : وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ «٣» ومعنى مجيء إن بغير باء، دليل على أنه قبل إن قسم محذوف إذ لولا نية القسم لقال : فإنكم لمشركون الذين كفروا أي : الذين ثبتوا على هذا الاعتقاد. وأقام الظاهر مقام المضمر، إذ كان الربط يحصل بقوله : ليمسنهم، لتكرير الشهادة عليهم بالكفر في قوله : لقد كفر وللإعلام بأنهم كانوا بمكان من الكفر، إذ جعل الفعل في صلة الذين وهي تقتضي كونها معلومة للسامع مفروغا من ثبوتها، واستقرارها لهم ومن في منهم للتبعيض، أي كائنا منهم، والربط حاصل بالضمير، فكأنه قيل : كافرهم وليسوا كلهم بقوا على الكفر، بل قد تاب كثير منهم من النصرانية. ومن أثبت أنّ من تكون لبيان الجنس أجاز ذلك هنا، ونظره بقوله :
فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ «٤».
أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ هذا لطف بهم واستدعاء إلى التنصل من تلك المقالة الشنعاء بعد أن كرّر عليهم الشهادة بالكفر. والفاء في أفلا للعطف، حجزت بين الاستفهام ولا النافية، والتقدير : فألا. وعلى طريقة الزمخشري تكون قد عطفت فعلا على فعل، كأن التقدير : أيثبتون على الكفر فلا يتوبون، والمعنى على التعجب من انتفاء توبتهم وعدم استغفارهم، وهم أجدر الناس بذلك، لأن كفرهم أقبح الكفر، وأفضح في سوء الاعتقاد، فتعجب من كونهم لا يتوبون من هذا الجرم العظيم. وقال الفراء : هو استفهام معناه الأمر كقوله : فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ «٥». قال : إنما كان بمعنى الأمر، لأنّ المفهوم من الصيغة طلب التوبة والحث عليها، فمعناه : توبوا إلى اللّه واستغفروه من ذنبكم القولين المستحيلين انتهى. وقال ابن عطية : رفق جل وعلا بهم بتحضيضه إياهم على التوبة وطلب المغفرة انتهى. وما ذكروه من الحث والتحضيض على التوبة من حيث المعنى، لا من حيث مدلول اللفظ، لأن أفلا غير مدلول ألا التي للحض والحث.
وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ نبه تعالى على هذين الوصفين اللذين بهما يحصل قبول التوبة والغفران للحوبة، والمعنى : كيف لا توجد التوبة من هذا الذنب وطلب المغفرة والمسئول منه ذلك متصف بالغفران التام والرحمة الواسعة لهؤلاء وغيرهم؟
(٢) سورة الأعراف : ٧/ ٢٣.
(٣) سورة الأنعام : ٦/ ١٢١.
(٤) سورة الحج : ٢٢/ ٣٠.
(٥) سورة المائدة : ٥/ ٩١.