البحر المحيط، ج ٤، ص : ٣٤
كأبي بكر وأبي ذر وعبد اللّه بن سلام وأمثالهم ممن كان مستبصرا منتظرا. قال ابن عطية :
ويحتمل أن يكون المعنى إشارة بذلك إلى القتل قبل التثبت، أي على هذه الحال في جاهليتكم لا تثبتون، حتى جاء الإسلام ومنّ اللّه عليكم انتهى. والظاهر أنّ قوله : فمنّ اللّه عليكم، هو من تمام كذلك كنتم من قبل. وقيل : من تمام تبتغون عرض الحياة الدنيا وما قبله، فالمعنى : منّ عليكم بأن قبل توبتكم عن ذلك الفعل المنكر قاله : أبو عبد اللّه الرازي، فتبينوا : تقدّم أنه قرئ فتثبتوا، ويحتمل أن يكون هذا تأكيدا للأول، ويحتمل أن يكون فتبينوا في قراءة من جعله من التبين، أن لا يكون تأكيد الاختلاف متعلق التبين.
فالمعنى في الأول : فتبينوا أمر من تقدمون على قتله، وفي الثاني : فتبينوا نعمة اللّه عليكم بالإسلام.
إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً أي خبيرا بنياتكم وطلباتكم، فكونوا محتاطين فيما تقصدونه، متوخين أمر اللّه تعالى. وهذا فيه تحذير، فاحفظوا أنفسكم من موارد الزلل. وقرأ الجمهور : إنّ بكسر الهمزة على الاستئناف، وقرئ بفتحها على أن تكون معمولة لقوله :
فَتَبَيَّنُوا «١».
لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ قال أبو سليمان الدمشقي : نزلت من أجل قوم كانوا إذا حضرت غزاة يستأذنون في القعود والتخلف عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وأما غير أولي الضرر فسببها قول ابن أم مكتوم : كيف من لا يستطيع الجهاد؟.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما رغب المؤمنين في القتال في سبيل اللّه أعداء اللّه الكفار، واستطرد من ذلك إلى قتل المؤمن خطأ وعمدا بغير تأويل وبتأويل، فنهى أن يقدم على قتله بتأويل أمر يحمله على الإسلام إذا كان ظاهره يدل على ذلك، ذكر بيان فضل المجاهد على القاعد، وبيان تفاوتهما، وأن ذلك لا يمنع منه كون الجهاد، مظنة أن يصيب المجاهد مؤمنا خطأ، أو من يلقي السلم فيقتله بتأويل فيتقاعسن عن الجهاد لهذه الشبهة، فأتى عقيب ذلك بفضل الجهاد وفوزه بما ذكر في الآية من الدرجات والمغفرة والرحمة والأجر العظيم، دفعا لهذه الشبهة.
ويستوي هنا من الأفعال التي لا تكتفي بفاعل واحد، وإثباته لا يدل على عموم

_
(١) سورة النساء : ٤/ ٩٤.


الصفحة التالية
Icon