البحر المحيط، ج ٤، ص : ٣٤٦
فيها جعلت الفائضة بأنفسها على سبيل المجاز والمبالغة، ومِنَ في مِنَ الدَّمْعِ قال أبو البقاء : فيه وجهان أحدهما : أن من لابتداء الغاية أي فيضها من كثرة الدموع والثاني : أن يكون حالا، والتقدير تفيض مملوءة من الدمع مما عرفوا من الحق، ومعناها من أجل الذي عرفوه، ومِنَ الْحَقِّ حال من العائد المحذوف أو حال من ضمير الفاعل في عَرَفُوا.
وقيل : مِنَ في مِنَ الدَّمْعِ بمعنى الباء أي بالدمع.
وقال الزمخشري : مِنَ الدَّمْعِ من أجل البكاء من قولك دمعت عينه دمعا.
(فإن قلت) : أي فرق بين من ومن في قوله : مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ (قلت) : الأول لابتداء الغاية على أن فيض الدمع ابتدأ ونشأ من معرفة الحق، وكان من أجله وسببه، والثانية لتبيين الموصول الذي هو ما عرفوا، ويحتمل معنى التبعيض على أنهم عرفوا بعض الحق فأبكاهم، انتهى.
والجملة من قوله : وَإِذا سَمِعُوا تحتمل الاستئناف، وتحتمل أن تكون معطوفة على خبر إنهم. وقرئ : تَرى أَعْيُنَهُمْ على البناء لما لم يسمّ فاعله يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ المراد بآمنا أنشأنا الإيمان الخاص بهذه الأمة الإسلامية.
والشاهدون : قال ابن عباس وابن جريج وغيرهما : هم أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم، وقالوا ذلك هم شهداء على سائر الأمم، كما قال تعالى : لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ «١» قال الزمخشري : وقالوا ذلك لأنهم وجدوا ذكرهم في الإنجيل كذلك، انتهى. وقال الطبري :
معناه ولو قيل معناه مَعَ الشَّاهِدِينَ بتوحيدك من جميع العالم من تقدم ومن تأخر لكان صوابا.
وقيل : مع الذين يشهدون بالحق.
وقال الزجاج المراد بالشاهدين الأنبياء، والمؤمنون، والكتابة في اللوح المحفوظ.
وقيل : معناه أثبتنا من قولهم كتب فلان في الجند أي ثبت، ويَقُولُونَ في موضع نصب على الحال، قاله ابن عطية وأبو البقاء، ولم يبينا ذا الحال ولا العامل فيها، ولا جائز أن يكون حالا من الضمير في أعينهم لأنه مجرور بالإضافة لا موضع له من رفع ولا نصب إلا على مذهب من ينزل الخبر منزلة المضاف إليه، وهو قول خطأ، وقد بينا ذلك في كتاب