البحر المحيط، ج ٤، ص : ٣٧٤
تفاصيل الأمور الكائنة في السموات والأرض ومصالحكم في دنياكم ودينكم فانظروا لطفه بالعباد على حال كفرهم، وأجاز الزمخشري أن تكون الإشارة إلى ما ذكر من حفظ حرمة الإحرام بترك الصيد وغيره، وقال الزجاج الإشارة إلى ما نبأ به تعالى من الأخبار بالمغيبات والكشف عن الأسرار مثل قوله سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ «١» ومثل إخباره بتحريفهم الكتب أي ذلك الغيب الذي أنبأكم به على لسان رسوله يدلكم على أنه يعلم ما في السموات وما في الأرض. وقيل الإشارة إلى صرف قلوب الناس إلى مكة في الأشهر المعلومة فيعيش أهلها معهم ولو لا ذلك ماتوا جوعا لعلمه بما في مصالحهم وليستدلوا على أنه يعلم ما في السموات وما في الأرض.
وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ هذا عموم تندرج فيه الكليات والجزئيات كقوله تعالى وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها «٢».
اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ هذا تهديد إذ أخبر أن عقابه شديد لمن انتهك حرمته.
وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وهذا توجيه بالغفران والرحمة لمن حافظ على طاعة اللّه أو تاب عن معاصيه.
ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ لما تقدم الترغيب والترهيب أخبر تعالى أنه كلف رسوله بالتبليغ وهو توصيل الأحكام إلى أمته وهذا فيه تشديد على إيجاب القيام بما أمر به تعالى، وأن الرسول قد فرغ مما وجب عليه من التبليغ وقامت عليه الحجة ولزمتكم الطاعة فلا عذر لكم في التفريط. قال ابن عطية هي إخبار للمؤمنين ولا يتصور أن يقال هي أنه موادعة منسوخة بآيات القتال بل هذه حال من آمن بهذا وشهد شهادة الحق فإنه عصم من الرسول ماله ودمه فليس على الرسول في جهته أكثر من التبليغ. انتهى. وذكر بعض المفسرين الخلاف فيها أهي محكمة أم منسوخة بآية السيف والرسول هنا محمد صلى اللّه عليه وسلم، وقيل يجوز أن يكون اسم جنس والمعنى ما على كل من أرسل إلا البلاغ والبلاغ والبلوغ مصدران لبلغ وإذا كان مصدر البلغ فبلاغ الشرائع مستلزم لتبليغ من أرسل بها فعبر باللازم عن الملزوم ويحتمل أن يكون مصدر البلغ المشدد على حذف الزوائد فمعنى البلاغ التبليغ.
(٢) سورة الأنعام : ٦/ ٥٩.