البحر المحيط، ج ٤، ص : ٣٨١
حجاج اليمامة حين أراد المسلمون أن يوقعوا بهم فنهوا عن الإيقاع بهم وإن كانوا مشركين، ومناسبة هذه الآية لما قبلها هو أنه لما قال : ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ «١» صار كأنه قيل ما بلغه الرسول فخذوه وكونوا منقادين له وما لم يبلغه فلا تسألوا عنه ولا تخوضوا فيه فربما جاءكم بسبب الخوض الفاسد تكاليف تشق عليكم، قاله أبو عبد اللّه الرازي وفيه بعض تلخيص، وقال أيضا هذا متصل بقوله وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ «٢» فاتركوا الأمور على ظواهرها ولا تسألوا عن أحوال مختلفة والجملة الشرطية وما عطف عليها من الشرط في موضع الصفة لأشياء والمعنى لا تكثروا مسألة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى تسألوه عن تكاليف شاقة عليكم إن أفتى لكم بها وكلفكم إياها تغمكم وتشق عليكم وتندموا على السؤال عنها قاله الزمخشري وبناه على ما نقل في سبب النزول أنه سئل عن الحج، وقرأ الجمهور إِنْ تُبْدَ لَكُمْ بالتاء مبنيّا للمفعول، وقرأ ابن عباس ومجاهد مبنيّا للفاعل، وقرأ الشعبي بالياء مفتوحة من أسفل وضم الدال يسؤكم بالياء فيهما مضمومة في الأول ومفتوحة في الثاني، وقال ابن عطية والتحرير إن يبدها اللّه تعالى.
وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ قال ابن عباس معناه لا تسألوا عن أشياء في ضمن الإخبار عنها مساءة لكم إما لتكليف شرعي يلزمكم وإما لخبر يسوءكم، مثل الذي قال من أبي؟ ولكن إذا نزل القرآن بشيء وابتدأكم ربكم بأمر فحينئذ إن سألتم عن بيانه بيّن لكم وأبدى انتهى. قال ابن عطية : فالضمير في قوله عَنْها عائد على نوعها لا على الأول التي نهى عن السؤال عنها.
قال : ويحتمل أن يكون في معنى الوعيد كأنه قال لا تسألوا وإن سألتم لقيتم غب ذلك وصعوبته لأنكم تكلفون وتستعجلون ما يسوءكم كالذي قيل له إنه في النار انتهى.
وقال الزمخشري وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ أي عن هذه التكاليف الصعبة في زمان الوحي وهو مادام الرسول بين أظهركم يوحى إليه تُبْدَ لَكُمْ تلك التكاليف التي تسوءكم وتؤمروا بتحملها فتعرّضوا أنفسكم لغضب اللّه بالتفريط فيها انتهى. وعلى هذا يكون الضمير في عَنْها عائدا على أشياء نفسها لا على نوعها والذي يظهر أنهم نهوا عن السؤال عن أشياء وصفت بوصفين أحدهما أنها إن سألوا عنها أبديت لهم وقت نزول القرآن فيكون حِينَ ظرفا لقوله تُبْدَ لَكُمْ لا لقوله وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها والوصف الثاني أنها إن أبديت

(١) سورة المائدة : ٥/ ٩٩.
(٢) سورة المائدة : ٥/ ٩٩.


الصفحة التالية
Icon