البحر المحيط، ج ٤، ص : ٤٠
أمية بن خلف. وقال النقاش : في أناس سواهم أسلموا ثم خرجوا إلى بدر، فلما رأوا قلة المسلمين قالوا : غر هؤلاء دينهم.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها هي : أنه تعالى لما ذكر ثواب من أقدم على الجهاد، أتبعه بعقاب من قعد عن الجهاد وسكن في بلاد الكفر. قال ابن عباس ومقاتل : التوفي هنا قبض الأرواح. وقال الحسن : الحشر إلى النار. والملائكة هنا قيل : ملك الموت، وهو من باب إطلاق الجمع على الواحدة تفخيما له وتعظيما لشأنه، لقوله تعالى : قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ «١» هذا قول الجمهور. وقيل : المراد ملك الموت وأعوانه وهم : ستة، ثلاثة لأرواح المؤمنين، وثلاثة لأرواح الكافرين. ويشهد لهذا تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ «٢» وظلمهم أنفسهم بترك الهجرة، وقعودهم مع قومهم حين رجعوا للقتال، أو برجوعهم إلى الكفر، أو بشكهم، أو بإعانة المشركين، أقوال أربعة : وتوفاهم : ماض لقراءة من قرأ توفتهم، ولم يلحق تاء التأنيث للفصل، ولكون تأنيث الملائكة مجازا أو مضارع، وأصله تتوفاهم.
وقرأ ابراهيم : توفاهم بضم التاء مضارع وفيت، والمعنى : أنّ اللّه يوفي الملائكة أنفسهم فيتوفونها، أي : يمكنهم من استيفائها فيستوفونها. والضمير في قالوا للملائكة، والجملة خبر إنّ، والرابط ضمير محذوف دل عليه المعنى، التقدير : قالوا لهم فيم كنتم؟ وهذا الاستفهام معناه التوبيخ والتقريع. والمعنى : في أي شيء كنتم من أمر دينكم؟
وقيل : من أحوال الدنيا، وجوابهم للملائكة اعتذار عن تخلفهم عن الهجرة، وإقامتهم بدار الكفر، وهو اعتذار غير صحيح.
قال الزمخشري :(فإن قلت) : كيف صح وقوع قوله : كنا مستضعفين في الأرض، جوابا عن قولهم : فيم كنتم؟ وكان حق الجواب أن يقولوا : كنا في كذا، ولم يكن في شي ء؟ (قلت) : معنى فيم كنتم، التوبيخ بأنهم لم يكونوا في شيء من الدين حيث قدروا على الهجرة ولم يهاجروا، فقالوا : كنا مستضعفين اعتذارا مما وبخوا به، واعتلالا بالاستضعاف، وأنهم لم يتمكنوا من الهجرة حتى يكونوا في شيء انتهى كلامه. والذي يظهر أنّ قولهم : كنا مستضعفين في الأرض جواب لقوله : فيم كنتم على المعنى، لا على اللفظ. لأن معنى : فيم كنتم في أي حال مانعة من الهجرة كنتم، قالوا : كنا مستضعفين أي

_
(١) سورة السجدة : ٣٢/ ١١.
(٢) سورة الأنعام : ٦/ ٦١.


الصفحة التالية
Icon