البحر المحيط، ج ٤، ص : ٤٢٩
والإيمان، وهو تلخيص قول ابن عباس واستدل لهذا بآية البقرة. وقال قتادة أيضا : الجنة والنار خلق الجنة وأرواح المؤمنين من نور، والنار وأرواح الكافرين من ظلمة، فيوم القيامة يحكم لأرواح المؤمنين بالجنة لأنهم من النور خلقوا، وللكافرين بالنار لأنهم من الظلمة خلقوا. وقيل :
الأجساد والأرواح. وقيل : شهوات النفوس وأسرار القلوب. وقيل : الجهل والعلم. وقال مجاهد : المراد حقيقة الظلمة والنور، لأن الزنادقة كانت تقول : اللّه يخلق الضوء وعلى شيء حسن، وإبليس يخلق الظلمة وكل شيء قبيح فأنزلت ردا عليهم. وقال أبو عبد اللّه الرازي : فيه قولان أحدهما : أنهما الأمران المحسوسان وهذا هو الحقيقة. والثاني ما نقل عن ابن عباس والحسن قبل وهو مجاز. وقال الواحدي : يحمل على الحقيقة. والمجاز معا لا يمكن حمله عليهما انتهى ملخصا.
وقال أبو عبد اللّه الرازي : ليست الظلمة عبارة عن كيفية وجودية مضادة للنور، والدليل عليه أنه إذا جلس اثنان بقرب السراج وآخر بالبعد منه، فالبعيد يرى القريب ويرى ذلك الهواء صافيا مضيئا والقريب لا يرى البعيد. ويرى ذلك الهواء مظلما، فلو كانت الظلمة كيفية وجودية لكانت حاصلة بالنسبة إلى هذين الشخصين المذكورين، وحيث لم يكن الأمر كذلك علمنا أن الظلمة ليست كيفية وجودية وإذا ثبت ذلك، فنقول : عدم المحدثات متقدم على وجودها فالظلمة متقدمة في التحقيق على النور فوجب تقديمها عليه في اللفظ، ومما يقوي ذلك ما
روي في الأخبار الإلهية أنه تعالى خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره.
وروى ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال :«إن اللّه خلق خلقه في ظلمة ثم ألقى عليهم النور، فمن أصابه يومئذ من ذلك النور اهتدى ومن أخطأ ضل».
انتهى.
وقال أبو عبد اللّه بن أبي الفضل : قوله في الظلمة خطأ بل هي عبارة عن كيفية وجودية مضادة للنور، والدليل على ذلك قوله : وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ والعدم لا يقال فيه جعل ثُمَّ كما تقرر في اللسان العربي أصلها للمهلة في الزمان. وقال ابن عطية :
ثُمَّ دالة على قبح فعل الَّذِينَ كَفَرُوا لأن المعنى : أن خلقه السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وغيرها قد تقرر وآياته قد سطعت وإنعامه بذلك قد تبين، ثم بعد هذا كله قد عدلوا بربهم فهذا كما تقول : يا فلان أعطيتك وأكرمتك وأحسنت إليك، ثم تشتمني أي بعد وضوح هذا كله ولو وقع العطف في هذا ونحوه بالواو، لم يلزم التوبيخ كلزومه ب ثُمَّ انتهى.