البحر المحيط، ج ٤، ص : ٤٣١
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ظاهره أنا مخلوقون من طين، وذكر ذلك المهدوي ومكي والزهراوي عن فرقة فالنطفة التي يخلق منها الإنسان أصلها مِنْ طِينٍ ثم يقلبها اللّه نطفة. قال ابن عطية : وهذا يترتب على قول من يقول : يرجع بعد التولد والاستحالات الكثيرة نطفة وذلك مردود عند الأصوليين انتهى. وقال النحاس : يجوز أن تكون النطفة خلقها اللّه مِنْ طِينٍ على الحقيقة ثم قلبها حتى كان الإنسان منها انتهى. وقد روي أبو نعيم الحافظ عن بريد بن مسعود حديثا في الخلق آخره :«ويأخذ التراب الذي يدفن في بقعته ويعجن به نطفته»،
فذلك قوله تعالى : مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ «١» الآية.
وخرج عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«ما من مولود يولد إلّا وقد در عليه من تراب حفرته».
وقال أبو عبد اللّه الرازي ما ملخصه : وعندي فيه وجه آخر وهو أن الإنسان مخلوق من المني ومن دم الطمث المتولدين من الأغذية، والأغذية حيوانية والقول في كيفية تولدها، كالقول في الإنسان أو نباتية فثبت تولد الإنسان من النباتية وهي متولدة من الطين فكل إنسان متولد. مِنَ الطِّينِ وهذا الوجه أقرب إلى الصواب انتهى. وهذا الذي ذكر أنه عنده وجه آخر وهو أقرب إلى الصواب، هو بسط ما حكاه المفسرون عن فرقة. وقال فيه ابن عطية : هو مردود عند الأصوليين يعني القول : بالتوالد والاستحالات والذي هو مشهور عند المفسرين، أن المخلوق مِنَ الطِّينِ هنا هو آدم. قال قتادة ومجاهد والسدي وغيرهم : المعنى خلق آدم مِنْ طِينٍ والبشر من آدم فلذلك قال :
خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ وذكر ابن سعد في الطبقات عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«الناس ولد آدم وآدم من تراب».
وقال بعض شعراء الجاهلية :
إلى عرق الثرى وشجت عروقي وهذا الموت يسلبني شبابي
وفسره الشراح بأن عرق الثرى هو آدم، فعلى هذا يكون التأويل على حذف مضاف إما في خَلَقَكُمْ أي خلق أصلكم، وإما في مِنْ طِينٍ أي من عرق طين وفرعه.
ثُمَّ قَضى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ قَضى إن كانت هنا بمعنى قدر وكتب، كانت ثُمَّ هنا للترتيب في الذكر لا في الزمان لأن ذلك سابق على خلقنا، إذ هي صفة ذات وإن كانت بمعنى أظهر، كانت للترتيب الزماني على أصل وضعها، لأن ذلك متأخر عن خلقنا فهي صفة فعل والظاهر من تنكير الأجلين أنه تعالى أبهم أمرهما. وقال