البحر المحيط، ج ٤، ص : ٤٣٤
أن الضمير ضمير الأمر واللَّهُ خبره يعلم فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ متعلق بيعلم والتقدير اللّه يعلم فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ.
ذهب الزجاج إلى أن قوله : فِي السَّماواتِ متعلق بما تضمنه اسم اللّه من المعاني، كما يقال : أمير المؤمنين الخليفة في المشرق والمغرب. قال ابن عطية : وهذا عندي أفضل الأقوال وأكثرها إحرازا لفصاحة اللفظ وجزالة المعنى وإيضاحه أنه أراد أن يدل على خلقه وإيثار قدرته وإحاطته واستيلائه، ونحو هذه الصفات فجمع هذه كلها في قوله وَهُوَ اللَّهُ أي الذي له هذه كلها فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ كأنه قال : وهو الخالق الرازق والمحيي المحيط في السموات وفي الأرض كما تقول : زيد السلطان في الشام والعراق، فلو قصدت ذات زيد لقلت محالا وإذا كان مقصد قولك زيد السلطان الآمر الناهي الناقض المبرم الذي يعزل ويولي في الشام والعراق، فأقمت السلطان مقام هذه كلها كان فصيحا صحيحا فكذلك في الآية أقام لفظة اللَّهُ مقام تلك الصفات المذكورة انتهى. وما ذكره الزجاج وأوضحه ابن عطية صحيح من حيث المعنى، لكن صناعة النحو لا تساعد عليه لأنهما زعما أن فِي السَّماواتِ متعلق بلفظ اللَّهُ لما تضمنه من المعاني ولا تعمل تلك المعاني جميعها في اللفظ، لأنه لو صرح بها جميعها لم تعمل فيه بل العمل من حيث اللفظ لواحد منها، وإن كان فِي السَّماواتِ متعلقا بها جميعها من حيث المعنى، بل الأولى أن يعمل في المجرور ما تضمنه لفظ اللَّهُ من معنى الألوهية وإن كان لفظ اللَّهُ علما لأن الظرف والمجرور قد يعمل فيهما العلم بما تضمنه من المعنى كما قال : أنا أبو المنهال بعض الأحيان. فبعض منصوب بما تضمنه أبو المنهال كأنه قال أنا المشهور بعض الأحيان.
وقال الزمخشري نحوا من هذا قال : فِي السَّماواتِ متعلق بمعنى اسم اللّه، كأنه قيل : وهو المعبود فيهما ومنه قوله وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ «١» أي : وهو المعروف بالإلهية أو المتوحد بالإلهية فيها، أو هو الذي يقال له : اللّه فيها لا يشرك في هذا الاسم انتهى، فانظر تقاديره كلها كيف قدر العامل واحدا من المعاني لا جميعها، وقالت فرقة هُوَ على تقدير صفة حذفت وهي مرادة في المعنى، كأنه قيل : هو اللّه المعبود فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ وقدرها بعضهم وهو اللّه المدبر فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ، وقالت فرقة : وَهُوَ اللَّهُ تم الكلام هنا. ثم استأنف ما بعده وتعلق المجرور ب يَعْلَمُ