البحر المحيط، ج ٤، ص : ٤٣٧
القمر أو الوعد أو الوعيد، أقوال والذي يظهر أنه الآية التي تأتيهم وكأنه قيل : فَقَدْ كَذَّبُوا بالآية التي تأتيهم وهي الحق فأقام الظاهر مقام المضمر، لما في ذلك من وصفه بالحق وحقيقته كونه من آيات اللّه تعالى، وظاهر قوله فَقَدْ كَذَّبُوا أن الفاء للتعقيب وأن إعراضهم عن الآية أعقبه التكذيب. وقال الزمخشري : فَقَدْ كَذَّبُوا مردود على كلام محذوف كأنه قيل : إن كانوا معرضين عن الآيات. فَقَدْ كَذَّبُوا بما هو أعظم آية وأكبرها وهو الحق، لما جاءهم يعني القرآن الذي تحدوا به على تبالغهم في الفصاحة فعجزوا عنه انتهى. ولا ضرورة تدعو إلى شرط محذوف إذ الكلام منتظم بدون هذا التقدير.
فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ هذا يدل على أنهم وقع منهم الاستهزاء، فيكون في الكلام معطوف محذوف دل عليه آخر الآية وتقديره واستهزؤوا به، فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ وهذه رتب ثلاث صدرت من هؤلاء الكفار، الإعراض عن تأمل الدلائل ثم أعقب الإعراض التكذيب، وهو أزيد من الإعراض إذ المعرض قد يكون غافلا عن الشيء ثم أعقب التكذيب الاستهزاء، وهو أزيد من التكذيب إذ المكذب قد لا يبلغ إلى حدّ الاستهزاء وهذه هي المبالغة في الإنكار، والنبأ الخبر الذي يعظم وقعه وفي الكلام حذف مضاف أي : فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ مضمن أَنْباءُ فقال قوم : المراد ما عذبوا به في الدنيا من القتل والسبي والنهب والإجلاء وغير ذلك، وخصص بعضهم ذلك بيوم بدر. وقيل : هو عذاب الآخرة، وتضمنت هذه الجملة التهديد والزجر والوعيد كما تقول : اصنع ما تشاء فسيأتيك الخبر، وعلق التهديد بالاستهزاء دون الإعراض والتكذيب لتضمنه إياهما، إذ هو الغاية القصوى في إنكار الحق. وقال الزمخشري : وهو القرآن أي أخباره وأحواله بمعنى سيعلمون بأي شيء استهزؤوا وسيظهر لهم أنه لم يكن موضع استهزاء، وذلك عند إرسال العذاب عليهم في الدنيا أو يوم القيامة أو عند ظهور الإسلام وعلو كلمته انتهى. وهو على عادته في الإسهاب وشرح اللفظ والمعنى مما لا يدلان عليه، وجاء هنا تقييد الكذب بالحق والتنفيس بسوف وفي الشعراء فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ «١» لأن الأنعام متقدمة في النزول على الشعراء، فاستوفى فيها اللفظ وحذف من الشعراء وهو مرادا حالة على الأول وناسب الحذف الاختصار في حرف التنفيس، فجاء بالسين والظاهر أن ما في قوله : ما كانُوا موصولة اسمية بمعنى الذي والضمير في بِهِ عائد عليها. وقال ابن عطية : يصح أن تكون مصدرية التقدير أَنْباءُ كونهم مستهزئين فعلى هذا يكون الضمير في بِهِ عائدا