البحر المحيط، ج ٤، ص : ٤٤٧
لا إيجاب لزوم. وقيل : قضاها وأنفذها. وقال الزمخشري : أي أوجبها على ذاته في هدايتكم إلى معرفته، ونصب الأدلة لكم على توحيد ما أنتم مقرون به من خلق السموات والأرض، انتهى. والرَّحْمَةَ هنا الظاهر أنها عامّة فتعم المحسن والمسيء في الدنيا، وهي عبارة عن الاتصال إليهم والإحسان إليهم ولم يذكر متعلق الرحمة لمن هي فتعم كما ذكرنا. وقيل : الألف واللام للعهد، فيراد بها الرحمة الواحدة التي أنزلها اللّه تعالى من المائة الرَّحْمَةَ التي خلقها وأخر تسعة وتسعين يرحم بها عباده في الآخرة. وقال الزجاج : الرَّحْمَةَ إمهال الكفار وتعميرهم ليتوبوا، فلم يعاجلهم على كفرهم. وقيل :
الرَّحْمَةَ لمن آمن وصدق الرسل. وفي صحيح مسلم لما قضى اللّه الخلق كتب في كتاب على نفسه، فهو موضوع عنده إن رحمتي تغلب غضبي.
لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ لما ذكر أنه تعالى رحم عباده ذكر الحشر وأن فيه المجازاة على الخير والشر، وهذه الجملة مقسم عليها ولا تعلق لها بما قبلها من جهة الإعراب وإن كانت من حيث المعنى متعلقة بما قبلها كما ذكرناه. وحكى المهدوي أن جماعة من النحويين قالوا : إنها تفسير للرحمة تقديره : أن يجمعكم، فتكون الجملة في موضع نصب على البدل من الرَّحْمَةَ وهو مثل قوله ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ «١» المعنى أن يسجنوه، وردّ ذلك ابن عطية بأن النون الثقيلة تكون قد دخلت في الإيجاب قال : وإنما تدخل في الأمر والنهي وباختصاص من الواجب في القسم، انتهى.
وهذا الذي ذكره لا يحصر مواضع دخول نون التوكيد، ألا ترى دخولها في الشرط وليس واحدا مما ذكر نحو قوله تعالى : وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ «٢» وكذلك قوله : وباختصاص من الواجب في القسم بهذا ليس على إطلاقه بل له شروط ذكرت في علم النحو ولهم أن يقولوا صورة الجملة صورة المقسم عليه، فلذلك لحقت النون وإن كان المعنى على خلاف القسم ويبطل ما ذكروه، إن الجملة المقسم عليها لا موضع لها وحدها من الإعراب، فإذا قلت واللّه لأضربنّ زيدا، فلأضربنّ لا موضع له من الإعراب فإذا قلت زيد واللّه لأضربنه، كانت جملة القسم والمقسم عليه في موضع رفع والجمع هنا قيل حقيقة أي لَيَجْمَعَنَّكُمْ في القبور إلى يوم القيامة، والظاهر أن إِلى للغاية والمعنى ليحشرنكم منتهين إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وقيل : المعنى لَيَجْمَعَنَّكُمْ في الدنيا يخلقكم قرنا بعد قرن إلى يوم القيامة وقد
(٢) سورة الأعراف : ٧/ ٢٠٠.