البحر المحيط، ج ٤، ص : ٤٤٩
وقال الزمخشري (فإن قلت) : كيف جعل عدم إيمانهم مسببا عن خسرهم والأمر بالعكس؟ (قلت) : معناه الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ في علم اللّه لاختيارهم الكفر فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ انتهى. وفيه دسيسة الاعتزال بقوله : لاختيارهم الكفر.
وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لما ذكر تعالى أنه له ملك ما حوى المكان من السموات والأرض، ذكر ما حواه الزمان من الليل والنهار وإن كان كل واحد من الزمان والمكان يستلزم الآخر، لكن النص عليهما أبلغ في الملكية وقدم المكان لأنه أقرب إلى العقول والأفكار من الزمان وله قال الزمخشري وغيره، هو معطوف على قوله لِلَّهِ والظاهر أنه استئناف إخبار وليس مندرجا تحت قوله : قل، وسَكَنَ هنا قال السدّي وغيره : من السكنى أي ما ثبت وتقرر، ولم يذكر الزمخشري غيره. قال : وتعديه ب فِي كما في قوله : وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ «١» وقالت فرقة : هو من السكون المقابل للحركة واختلف هؤلاء. فقيل : ثم معطوف محذوف أي وما تحرّك، وحذف كما حذف في قوله : تَقِيكُمُ الْحَرَّ «٢» والبرد وقيل : لا محذوف هنا واقتصر على الساكن لأن كل متحرك قد يسكن وليس كل ما يسكن يتحرك. وقيل : لأن السكون أكثر وجودا من الحركة، وقال في قوله : وَالنَّهارِ لأن من المخلوقات ما يسكن بالنهار وينتشر بالليل، قاله مقاتل، ورجح ابن عطية القول الأول. قال : والمقصد في الآية عموم كل شيء وذلك لا يترتب إلا بأن يكون سكن بمعنى استقر وثبت، وإلا فالمتحرك من الأشياء المخلوقات أكثر من السواكن، ألا ترى أن الفلك والشمس والقمر والنجوم السائحة والملائكة وأنواع الحيوان متحركة، والليل والنهار حاصران للزمان انتهى. وليس بجيد لأنه قال لا يترتب العموم إلا بأن يكون سكن بمعنى استقر وثبت، ولا ينحصر فيما ذكر، ألا ترى أنه يترتب العموم على قول من جعله من السكون وجعل في الكلام معطوفا محذوفا أي وما تحرك، وعلى قول من ادعى أن كل ما يتحرك قد يسكن وليس كل ما يسكن يتحرك، فكل واحد من هذين القولين يترتب معه العموم فلم ينحصر العموم فيما ذكر ابن عطية.
وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ لما تقدم ذكر محاورات الكفار المكذبين وذكر الحشر الذي فيه الجزاء، ناسب ذكر صفة السمع لما وقعت فيه المحاورة وصفة العلم لتضمنها معنى الجزاء، إذ ذلك يدل على الوعيد والتهديد.

(١) سورة إبراهيم : ١٤/ ١٣.
(٢) سورة النحل : ١٦/ ٨١.


الصفحة التالية
Icon