البحر المحيط، ج ٤، ص : ٤٥٤
الخطاب له لفظا والمراد أمته وهذا هو الظاهر لقوله لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ «١» والعصمة تنافي إمكان الشرك.
قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ الظاهر أن الخوف هنا على بابه وهو توقع المكروه. وقال ابن عباس معنى أَخافُ أعلم وعَصَيْتُ عامّة في أنواع المعاصي، ولكنها هنا إنما تشير إلى الشرك الذي نهى عنه قاله ابن عطية. والخوف ليس بحاصل لعصمته بل هو معلق بشرط هو ممتنع في حقه صلى اللّه عليه وسلم وجوابه محذوف ولذلك جاء بصيغة الماضي. فقيل : هو شرط معترض لا موضع له من الإعراب كالاعتراض بالقسم.
وقيل : هو في موضع نصب على الحال كأنه قيل إني أخاف عاصيا ربي. وقال أبو عبد اللّه الرازي : مثال الآية إن كانت الخمسة زوجا كانت منقسمة متساويتين يعني أنه تعليق على مستحيل واليوم العظيم هو يوم القيامة.
مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ قرأ حمزة وأبو بكر والكسائي مَنْ يُصْرَفْ مبنيا للفاعل فمن مفعول مقدم والضمير في يُصْرَفْ عائد على اللّه ويؤيده قراءة أبي مَنْ يُصْرَفْ اللّه وفي عَنْهُ عائد على العذاب والضمير المستكن في رَحِمَهُ عائد على الرب أي أيّ شخص يصرف اللّه عنه العذاب فقد رحمه الرحمة العظمى وهي النجاة من العذاب، وإذا نجّي من العذاب دخل الجنة ويجوز أن يعرب مَنْ مبتدأ والضمير في عَنْهُ عائد عليه، ومفعول يُصْرَفْ محذوف اختصارا إذ قد تقدّم في الآية قبل التقدير أي شخص يصرف اللّه العذاب عنه فقد رحمه، وعلى هذا يجوز أن يكون من باب الاشتغال فيكون مَنْ منصوبا بإضمار فعل يفسره معنى يُصْرَفْ ويجوز على إعراب مَنْ مبتدأ أن يكون المفعول مذكورا، وهو يَوْمَئِذٍ على حذف أي هول يومئذ فينتصب يَوْمَئِذٍ انتصاب المفعول به. وقرأ باقي السبعة مَنْ يُصْرَفْ مبنيا للمفعول ومعلوم أن الصارف هو اللّه تعالى، فحذف للعلم به أو للإيجاز إذ قد تقدّم ذكر الرّب ويجوز في هذا الوجه أن يكون الضمير في يُصْرَفْ عائدا على مَنْ وفي عَنْهُ عائدا على العذاب أي أيّ شخص يصرف عن العذاب، ويجوز أن يكون الضمير في عَنْهُ عائدا على مَنْ والضمير في يُصْرَفْ عائدا على العذاب أيّ أيّ شخص يصرف العذاب عنه، ويجوز أن يكون الضميران عائدين على مَنْ ومفعول يُصْرَفْ يَوْمَئِذٍ وهو مبني لإضافته إلى إذ فهو في موضع رفع بيصرف والتنوين في يَوْمَئِذٍ تنوين

(١) سورة الزمر : ٣٩/ ٦٥.


الصفحة التالية
Icon