البحر المحيط، ج ٤، ص : ٤٦٣
والخبر فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ والَّذِينَ خَسِرُوا على هذا أعم من أهل الكتاب الجاحدين ومن المشركين، والخسران الغبن وروي أن لكل عبد منزلا في الجنة ومنزلا في النار، فالمؤمنون ينزلون منازل أهل الكفر في الجنة والكافرون ينزلون منازل أهل الجنة في النار، فالخسارة والربح هنا
وجوزوا أن يكون الَّذِينَ خَسِرُوا نعتا لقوله : الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وفَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ جملة معطوفة على جملة فيكون مساق الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مساق الذم لا مقام الاستشهاد بهم على كفار قريش وغيرهم من العرب، قالوا : لأنه لا يصح أن يستشهد بهم ويذموا في آية واحدة. وقال ابن عطية : يصح ذلك لاختلاف ما استشهد فيه بهم وما ذموا فيه وأن الذم والاستشهاد من جهة واحدة انتهى. ويكون الَّذِينَ خَسِرُوا إذ ذاك ليس عاما إذ التقدير الذين خسروا أنفسهم منهم أي من أهل الكتاب.
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ تقدم الكلام على وَمَنْ أَظْلَمُ والافتراء الاختلاف، والمعنى لا أحد أظلم ممن كذب على اللّه أو كذب بآيات اللّه. قال الزمخشري : جمعوا بين أمرين متناقضين فكذبوا على اللّه بما لا حجة عليه، وكذبوا بما ثبت بالحجة البينة والبرهان الصحيح حيث قالوا : لو شاء اللّه ما أشركنا ولا آباؤنا، وقالوا : واللّه أمرنا بها، وقالوا : الملائكة بنات اللّه وهؤلاء شفعاؤنا عند اللّه ونسبوا إليه تحريم السوائب والبحائر وكذبوا القرآن والمعجزات وسموها سحرا ولم يؤمنوا بالرسول انتهى. وفيه دسيسة الاعتزال بقوله : حيث قالوا : لو شاء اللّه ما أشركنا ولا آباؤنا.
وقال ابن عطية : مِمَّنِ افْتَرى اختلق والمكذب بالآيات مفتري كذب ولكنهما من الكفر فلذلك نصا مفسرين انتهى. ومعنى لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ لا يظفرون بمطالبهم في الدنيا والآخرة، بل يبقون في الحرمان والخذلان ونفي الفلاح عن الظالم فدخل فيه الأظلم والظالم غير الأظلم وإذا كان هذا لا يفلح فكيف يفلح الأظلم؟
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ قيل : يَوْمَ معمول لا ذكر محذوفة على أنه مفعول به قاله ابن عطية وأبو البقاء. وقيل :
لمحذوف متأخر تقديره وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ كان كيت وكيت فترك ليبقى على الإبهام الذي هو أدخل في التخويف قاله الزمخشري. وقيل : العامل انظر كيف كذبوا يوم نحشرهم.
وقيل : هو مفعول به لمحذوف تقديره وليحذروا يوم نحشرهم. وقيل : هو معطوف على ظرف محذوف، والعامل فيه العامل في ذلك الظرف والتقدير أنه لا يلفح الظالمون اليوم في


الصفحة التالية
Icon