البحر المحيط، ج ٤، ص : ٤٦٦
لوقوعها من حيث المعنى على مذكر، والفتنة اسم يكن والخبر إِلَّا أَنْ قالُوا جعل غير الأعرف الاسم والأعرف الخبر ومن قرأ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ بالتاء ورفع الفتنة فأنث لتأنيث الفتنة والإعراب كإعراب ما تقدم قبله، ومن قرأ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ بالتاء فِتْنَتُهُمْ بالنصب فالأحسن أن يقدر إِلَّا أَنْ قالُوا مؤنثا أي ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إلا مقالتهم. وقيل : ساغ ذلك من حيث كان الفتنة في المعنى. قال أبو علي : وهذا كقوله تعالى : فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها «١» فأنث الأمثال لما كانت الحسنات في المعنى. وقال الزمخشري : وقرئ تَكُنْ بالتاء وفِتْنَتُهُمْ بالنصب وإنما أنث أَنْ قالُوا لوقوع الخبر مؤنثا كقوله : من كانت أمك انتهى. وتقدم لنا أن الأولى أن يقدر أَنْ قالُوا بمؤنث أي إلا مقالتهم. وكذا قدره الزجاج بمؤنث أي مقالتهم، وتخريج الزمخشري ملفق من كلام أبي علي وأما من كانت أمك فإنه حمل اسم كان على معنى من، لأن من لها لفظ مفرد ولها معنى بحسب ما تريد من إفراد وتثنية وجمع وتذكير وتأنيث وليس الحمل على المعنى لمراعاة الخبر، ألا ترى أنه يجيء حيث لا خبر نحو وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ «٢». ونكن مثل من يا ذئب يصطحبان. ومن تقنت في قراءة التاء فليست تأنيث كانت لتأنيث الخبر وإنما هو للحمل على معنى من حيث أردت به المؤنث وكأنك قلت أية امرأة كانت أمك.
وقرأ الأخوان وَاللَّهِ رَبِّنا بنصب الباء على النداء أي يا ربنا، وأجاز ابن عطية فيه النصب على المدح وأجاز أبو البقاء فيه إضمار أعني وباقي السبعة بخفضها على النعت، وأجازوا فيه البدل وعطف البيان. وقرأ عكرمة وسلام بن مسكين وَاللَّهِ رَبِّنا برفع الاسمين. قال ابن عطية : وهذا على تقديم وتأخير أنهم قالوا : ما كُنَّا مُشْرِكِينَ وَاللَّهِ رَبِّنا ومعنى ما كُنَّا مُشْرِكِينَ جحدوا إشراكهم في الدنيا،
روي أنهم إذا رأوا إخراج من في النار من أهل الإيمان ضجوا فيوقفون ويقال لهم أين شركاؤكم؟ فينكرون طماعية منهم أن يفعل بهم ما فعل بأهل الإيمان
وهذا الذي روي مخالف لظاهر الآية، وهو وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثم نقول فظاهره أنه لا يتراخى القول عن الحشر هذا التراخي البعيد من دخول العصاة المؤمنين النار وإقامتهم فيها ما شاء اللّه وإخراجهم منها، ثم بعد ذلك كله يقال لهم أين شركاؤكم؟ وأتى رجل إلى ابن عباس فقال : سمعت اللّه يقول : وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ وفي أخرى وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً «٣» فقال ابن عباس : لما رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن قالوا : تعالوا فلنجحد وقالوا : ما كُنَّا مُشْرِكِينَ فختم اللّه على أفواههم وتكلمت جوارحهم فلا يكتمون اللّه حديثا.
(٢) سورة يونس : ١٠/ ٤٢.
(٣) سورة النساء : ٤/ ٤٢.