البحر المحيط، ج ٤، ص : ٤٨
إلى أنه قصر من أربع إلى اثنين. وقال قوم : من ركعتين في السفر إلى ركعة، والركعتان في السفر تمام.
إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ظاهره أنّ إباحة القصر مشروطة بالخوف المذكور، وإلى ذلك ذهب جماعة. ومن ذهب إلى أنّ القصر هو من ركعتي السفر إلى ركعة، شرط الخوف، وقال : تصلي كل طائفة ركعة لا تزيد عليها، ويكون للإمام ركعتان.
وقالت طائفة : لا يراد بالقصر الصلاة هنا القصر من ركعتيها، وإنما المراد القصر من هيآتها بترك الركوع والسجود في الإيماء، وترك القيام إلى الركوع، وروي فعل ذلك عن ابن عباس وطاووس. وذهب آخرون إلى أنّ الآية مبيحة القصر من حدود الصلاة وهيآتها عند المسايفة واشتعال الحرب، فأبيح لمن هذه حاله أن يصلي إيماء برأسه، ويصلي ركعة واحدة حيث توجه إلى ركعتين، ورجح هذا القول الطبري بقوله : فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ «١» أي بحدودها وهيآتها الكاملة. والحديث الصحيح يدلّ على أنّ هذا الشرط لا مفهوم له، فلا فرق بين الخوف والأمن، وحديث يعلى في ذلك مشهور صحيح.
والفتنة هنا هي التعرض بما يكره من قتال وغيره. ولغة الحجاز : فتن، ولغة تميم وربيعة وقيس : أفتن رباعيا. وقال أبو زيد : قصر من صلاته قصر، أنقص من عددها. وقال الأزهري : قصر وأقصر. وقرأ ابن عباس : أن تقصروا رباعيا، وبه قرأ الضبي عن رجاله.
وقرأ الزهري : تقصروا مشدّدا، ومن للتبعيض. وقيل : زائدة. وقيل : الشرط ليس متعلقا بقصر الصلاة، بل تم الكلام عند قوله : أن تقصروا من الصلاة، ثم ابتدأ حكم الخوف.
ويؤيده على قول : أنّ تجارا قالوا : إنا نضرب في الأرض، فكيف نصلي؟ فنزلت : وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة، ثم انقطع الكلام. فلما كان بعد ذلك بسنة في غزاة بني أسد حين صليت الظهر قال بعض العدو : هلا شددتم عليهم وقد مكنوكم من ظهورهم؟ فقالوا : إنّ لهم بعدها صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأولادهم، فنزلت : إِنْ خِفْتُمْ - إلى قوله - عَذاباً مُهِيناً صلاة الخوف. ورجح هذا بأنه إذا علق الشرط بما قبله كان جواز القصر مع الأمن مستفادا من السنة، ويلزم منه نسخ الكتاب بالسنة. وعلى تقدير الاستئناف لا يلزم، ومتى استقام اللفظ وتم المعنى من غير محذور النسخ كان أولى انتهى.
(١) سورة النساء : ٤/ ١٠٣.