البحر المحيط، ج ٤، ص : ٤٩٣
مما اقترحوه رجاء إيمانهم، وتلك الآية من إحدى الجهتين. وقال ابن عطية : وقوله تعالى :
وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ إلزام الحجة للنبيّ صلى اللّه عليه وسلم وتقسيم الأحوال عليهم حتى يتبين أن لا وجه إلا الصبر والمضيّ لأمر اللّه تعالى، والمعنى إن كنت تعظم تكذيبهم وكفرهم على نفسك وتلتزم الحزن عليه فإن كنت تقدر على دخول سرب في أعماق الأرض أو على ارتقاء سلم في السماء، فدونك وشأنك به أي إنك لا تقدر على شيء من هذا، ولا بد من التزام الصبر واحتمال المشقة ومعارضتهم بالآيات التي نصبها اللّه للناظرين المتأملين إذ هو لا إله إلا هو لم يرد أن يجمعهم على الهدى، وإنما أراد أن ينصب من الآيات ما يهتدى بالنظر فيه قوم بحق ملكه فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ
أي في أن تأسف وتحزن على أمر أراده اللّه وأمضاه وعلم المصلحة فيه انتهى.
وأجاز الزمخشري وابن عطية أن تكون الآية التي يأتي بها هي نفس الفعل. قال الزمخشري : ويجوز أن يكون ابتغاء النفق في الأرض أو السلم في السماء هو الإتيان بالآية كأنه قيل : لو استطعت النفوذ إلى ما تحت الأرض أو الترقي في السماء لعلّ ذلك يكون آية لك يؤمنون بها. وقال ابن عطية : فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ بعلامة ويريد : إما في فعلك ذلك أي تكون الآية نفس دخولك في الأرض وارتقائك في السماء وإما في أن تأتيهم بالآية من إحدى الجهتين انتهى. وما جوزاه من ذلك لا يظهر من دلالة اللفظ إذ لو كان ذلك كما جوزاه لكان التركيب فتأتيهم بذلك آية وأيضا فأي آية في دخول سرب في الأرض، وأما الرقي في السماء فيكون آية. وقيل قوله أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ إشارة إلى قولهم وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً «١» وقوله : أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ إشارة إلى قولهم : أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ «٢» وكان فيها ضمير الشأن، والجملة المصدرة بكبر عليك إعراضهم في موضع خبر كان وفي ذلك دليل على أن خبر كان وأخواتها يكون ماضيا ولا يحتاج فيه إلى تقدير قد، لكثرة ما ورد من ذلك في القرآن وكلام العرب خلافا لمن زعم أنه لا بدّ فيه من قد ظاهرة أو مقدرة وخلافا لمن حصر ذلك بكان دون أخواتها، وجوزوا أن يكون اسمها إعراضهم فلا يكون مرفوعا بكبر كما في القول الأول وكبر فيه ضمير يعود على الإعراض وهو في موضع الخبر وهي مسألة خلاف، وجواب الشرط محذوف لدلالة المعنى عليه وتقديره فافعل كما تقول : إن شئت تقوم بنا إلى فلان نزوره، أي فافعل ولذلك جاء فعل الشرط بصيغة الماضي أو المضارع المنفيّ بلم لأنه ماض، ولا يكون بصيغة المضارع إلا في الشعر.

(١) سورة الإسراء : ١٧/ ٩٠.
(٢) سورة الإسراء : ١٧/ ٩٣.


الصفحة التالية
Icon