البحر المحيط، ج ٤، ص : ٥٠٧
ثبت بالدليل أنه تعالى لا يشاء هذا الضلال إلا لمن يستحق العقوبة كما لا يشاء الهدى إلا للمؤمنين.
قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ هذا ابتداء احتجاج على الكفار الذين يجعلون للّه شركاء. قال الكرماني : أَرَأَيْتَكُمْ كلمة استفهام وتعجب وليس لها نظير. وقال ابن عطية : والمعنى : أرأيتكم إن خفتم عذاب اللّه أو خفتم هلاكا أو خفتم الساعة أتدعون أصنامكم وتلجئون إليها في كشف ذلك إن كنتم صادقين في قولكم إنها آلهة بل تدعون اللّه الخالق الرازق فيكشف ما خفتموه إن شاء وتنسون أصنامكم أي تتركونهم؟ فعبر عن الترك بأعظم وجوهه الذي هو مع الترك ذهول وإغفال، فكيف يجعل إلها من هذه حاله في الشدائد؟ وأَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أتاكم خوفه وأماراته وأوائله مثل الجدب والبأساء والأمراض التي يخاف منها الهلاك كالقولنج ويدعو إلى هذا التأويل إنا لو قدرنا إتيان العذاب وحلوله لم يترتب أن يقول بعد ذلك : فيكشف ما تدعون لأن ما قد صح حلوله ومضى لا يصح كشفه، ويحتمل أن يريد بالساعة في هذه الآية ساعة موت الإنسان انتهى. ولا يضطر إلى هذا التأويل الذي ذكره بل إذا حل بالإنسان العذاب واستمر عليه لا يدعو إلا اللّه وقوله : لأن ما صح حلوله ومضى لا يصح كشفه ليس كما ذكر، لأن العذاب الذي يحل بالإنسان هو جنس منه ما مرّ وانقضى فذلك لا يصح كشفه ومنه ما هو ملتبس بالإنسان في الحال فيصح كشفه وإزالته بقطع اللّه ذلك عن الإنسان، وهذه الآية تنظر إلى قوله تعالى : وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ «١» فما انقضى من الضر الذي مسه لا يصح كشفه، وما هو ملتبس به كشفه اللّه تعالى فالضر جنس كما أن العذاب هنا جنس. وقال مقاتل : عذاب اللّه هو العذاب الذي كان يأتي الأمم الخالية.
وقال ابن عباس : هو الموت ويعني واللّه أعلم مقدّماته من الشدائد والجمهور على أن السَّاعَةُ هي القيامة وأ رأيت الهمزة فيها للاستفهام فإن كانت البصرية أو التي لإصابة الرؤية أو العلمية الباقية على بابها لم يجز فيها إلا تحقيق الهمزة أو تسهيلها بين بين ولا يجوز حذفها، وتختلف التاء باختلاف المخاطب ولا يجوز إلحاق الكاف بها وإن كانت العلمية التي هي بمعنى أخبرني جاز أن تحقق الهمزة، وبه قرأ الجمهور في أَرَأَيْتَكُمْ وأرأيتم وأ رأيت وجاز أن تسهل بين بين وبه

(١) سورة يونس : ١٠/ ١٢. [.....]


الصفحة التالية
Icon