البحر المحيط، ج ٤، ص : ٥٣٩
الملائكة الموكلون بكتب الأعمال انتهى. وما قالاه هو قول ابن عباس وظاهر الجمع أنه مقابل الجمع ولم تتعرض الآية لعدد ما على كل واحد ولا لما يحفظون عليه. وعن ابن عباس : ملكان مع كل إنسان أحدهما عن يمينه للحسنات، والآخر عن شماله للسيئات وإذا عمل سيئة قال من على اليمين : انتظره لعله يتوب منها فإن لم يتب كتبت عليه. وقيل :
ملكان بالليل وملكان بالنهار أحدهما يكتب الخير والآخر يكتب الشر، فإذا مشى كان أحدهما بين يديه والآخر وراءه وإذا جلس فأحدهما عن يمينه والآخر عن شماله. وقيل :
خمسة من الملائكة اثنان بالليل واثنان بالنهار، وواحد لا يفارقه ليلا ولا نهارا والمكتوب الحسنة والسيئة. وقيل : الطاعات والمعاصي والمباحات. وقيل : لا يطلعون إلا على القول والفعل لقوله : ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ «١» ولقوله : يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ «٢» وأما أعمال القلوب فعلمه للّه تعالى. وقيل : يطلعون عليها على الإجمال لا على التفصيل فإذا عقد سيئة خرجت من فيه ريح خبيثة أو حسنة خرجت ريح طيبة.
وقال الزمخشري (فإن قلت) : اللّه غني بعلمه عن كتب الكتبة فما فائدتها؟ (قلت) :
فيها لطف للعباد لأنهم إذا علموا أن اللّه رقيب عليهم، والملائكة الذين هم أشرف خلقه موكلون بهم يحفظون عليهم أعمالهم ويكتبونها في صحائف تعرض على رؤوس الأشهاد في مواقف القيامة، كان ذلك أزجر لهم عن القبيح وأبعد من السوء انتهى. وقوله :
والملائكة الذين هم أشرف خلقه هو جار على مذهب المعتزلة في الملائكة، ولا تتعين هذه الفائدة إذ يحتمل أن تكون الفائدة فيها أن توزن صحائف الأعمال يوم القيامة لأن وزن الأعمال بمجردها لا يمكن، وهذه الفائدة جارية على مذهب أهل السنة، وأما المعتزلة فتأولوا الوزن والميزان ولا يشعر قوله : حَفَظَةً أن ذلك الحفظ بالكتابة كما فسروا بل قد قيل : هم الملائكة الذي
قال فيهم النبي صلى اللّه عليه وسلم :«تتعاقب فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار» قاله قتادة والسدّي.
وقيل : يحفظون الإنسان من كل شيء حتى يأتي أجله.
حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا أي أسباب الموت تَوَفَّتْهُ قبضت روحه رُسُلُنا جاء جمعا. فقيل : عنى به ملك الموت عليه السّلام وأطلق عليه الجمع تعظيما. وقيل : ملك الموت وأعوانه والأكثرون على أن رُسُلُنا عين الحفظة يحفظونهم مدة الحياة، وعند مجيء أسباب الموت يتوفونهم ولا تعارض بين قوله :
(٢) سورة الانفطار : ٨٢/ ١٢.