البحر المحيط، ج ٤، ص : ٥٧٩
قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ أي على الدعاء إلى القرآن وهو الهدى والصراط المستقيم. أَجْراً أي أجرة أتكثر بها وأخص بها إن القرآن إِلَّا ذِكْرى موعظة لجميع العالمين.
وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ نزلت في اليهود قاله ابن عباس ومحمد بن كعب، أو في مالك بن الصيف اليهودي إذ
قال له الرسول :«أنشدك باللّه الذي أنزل التوراة على موسى أتجد فيها أن اللّه يبغض الحبر السمين»؟ قال :
نعم. قال :«فأنت الحبر السمين» فغضب ثم قال : ما أنزل اللّه على بشر من شيء قاله ابن عباس وابن جبير وعكرمة
أو في فنحاص بن عازورا منهم قاله السدي، أو في اليهود والنصارى قاله قتادة، أو في مشركي العرب قاله مجاهد، وغيره، وبعضهم خصه عنه بمشركي قريش وهي رواية ابن أبي نجيح عنه، وفي رواية ابن كثير عن مجاهد أن من أولها إلى مِنْ شَيْءٍ في مشركي قريش وقوله : أَنْزَلَ الْكِتابَ في اليهود.
ولما ذكر تعالى عن إبراهيم دليل التوحيد وتسفيه رأي أهل الشرك وذكر تعالى ما منّ به على إبراهيم من جعل النبوّة في بنيه وأن نوحا عليه السّلام جدّه الأعلى كأن اللّه تعالى قد هداه وكان مرسلا إلى قومه وأمر تعالى الرسول بالاقتداء بهدى الأنبياء أخذ في تقرير النبوّة والردّ على منكريّ الوحي فقال تعالى : وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وأصل القدر معرفة الكمية يقال : قدر الشيء إذا حزره وسبره وأراد أن يعلم مقداره يقدره بالضم قدرا وقدرا ومنه «فإن غم عليكم فاقدروا له»
أي فاطلبوا أن تعرفوه، ثم توسع فيه حتى قيل : لكل من عرف شيئا هو يقدر قدره ولا يقدر قدره إذا لم يعرفه بصفاته، قال ابن عباس والحسن واختاره الفراء وثعلب والزّجاج معناه ما عظموا اللّه حق تعظيمه، وقال أبو عبيدة والأخفش : ما عرفوه حق معرفته،
قال الماتريدي : ومن الذي يعظم اللّه حق عظمته أو يعرفه حق معرفته؟ قالت الملائكة : ما عبدناك حق عبادتك والرسول صلى اللّه عليه وسلم يقول :
«لا أحصي ثناء عليك»
وينفصل عن هذا أن يكون المعنى : ما عظموه العظمة التي في وسعهم وفي مقدورهم وما عرفوه كذلك، وقال أبو العالية : واختاره الخليل بن أحمد معناه : ما وصفوه حق صفته فيما وجب له واستحال عليه وجاز، وقال ابن عباس أيضا : ما آمنوا باللّه حق إيمانه وعلموا أن اللّه على كل شيء قدير، وقال أبو عبيدة أيضا : ما عبدوه حق عبادته، وقيل : ما أجلّوه حق إجلاله حكاه ابن أبي الفضل في ريّ الظمآن وهو بمعنى التعظيم، وقال ابن عطية : من توفية القدر فهي عامّة يدخل تحتها من لم يعرف ومن لم يعظم وغير ذلك غير أن تعليله بقولهم : ما


الصفحة التالية
Icon