البحر المحيط، ج ٤، ص : ٦٠٣
ويزيد بن قطيب الجن بالرفع على تقديرهم الجن جوابا لمن قال :
من الذي جعلوه شريكا فقيل له : هم الجن ويكون ذلك على سبيل الاستعظام لما فعلوه والانتقاص لمن جعلوه شريكا للّه. وقرأ شعيب بن أبي حمزة : الجن بخفض النون ورويت هذه عن أبي حيوة وابن قطيب أيضا، قال الزمخشري : وقرئ على الإضافة التي للتبيين والمعنى أشركوهم في عبادته لأنهم أطاعوهم كما يطاع اللّه انتهى، ولا يتضح معنى هذه القراءة إذ التقدير : وجعلوا شركاء الجن للّه، وهذا معنى لا يظهر والضمير في وَخَلَقَهُمْ عائد على الجاعلين إذ هم المحدث عنهم وهي جملة حالية أي وقد خلقهم وانفرد بإيجادهم دون من اتخذه شريكا له وهم الجن فجعلوا من لم يخلقهم شريكا لخالقهم وهذه غاية الجهالة، وقيل الضمير يعود على الجن أي واللّه خلق من اتخذوه شريكا له فهم متساوون في أن الجاعل والمجعول مخلوقون للّه فكيف يناسب أن يجعل بعض المخلوق شريكا للّه تعالى؟ وقرأ يحيى بن يعمر وَخَلَقَهُمْ بإسكان اللام وكذا في مصحف عبد اللّه، والظاهر أنه عطف على الجن أي وجعلوا خلقهم الذي ينحتونه أصناما شركاء للّه كما قال تعالى : أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ «١» فالخلق هنا واقع على المعمول المصنوع بمعنى المخلوق، قال : هنا معناه ابن عطية، وقال الزمخشري : وقرئ وَخَلَقَهُمْ أي اختلاقهم الإفك يعني وجعلوا للّه خلقهم حيث نسبوا قبائحهم إلى اللّه في قولهم واللّه أمرنا بها انتهى، فالخلق هنا مصدر بمعنى الاختلاق.
وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ أي اختلقوا وافتروا، ويقال خرق الإفك وخلقه واختلقه واخترقه واقتلعه وافتراه وخرصه إذ كذب فيه قاله الفراء، وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون من خرق الثوب إذا شقه أي اشتقوا له بنين وبنات، وقال قتادة ومجاهد وابن زيد وابن جريج : خَرَقُوا كذبوا وأشار بقوله : بَنِينَ إلى أهل الكتابين في المسيح وعزير، وَبَناتٍ إلى قريش في الملائكة، وقرأ نافع وَخَرَقُوا بتشديد الراء وباقي السبعة بتخفيفها، وقرأ ابن عمر وابن عباس وحرفوا بالحاء المهملة والفاء وشدد ابن عمر الراء وخففها ابن عباس بمعنى وزورا له أولادا لأن المزوّر محرف مغير للحق إلى الباطل، ومعنى بِغَيْرِ عِلْمٍ من غير أن يعلموا حقيقة ما قالوه من خطاب وصواب، ولكن رميا بقول عن عمى وجهالة من غير فكر وروية وفيه نص على قبح تقحمهم المجهلة وافترائهم الباطل.