البحر المحيط، ج ٤، ص : ٦٢
وقال القفال : يحتمل وجهين : أحدهما : أن يراد ما يتعلق بالدين كما قال تعالى : ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ «١» وعلى هذا التقدير : وأطلعك على أسرار الكتاب والحكمة، وعلى حقائقهما، مع أنك ما كنت عالما بشيء، فكذلك يفعل بك في مستأنف أيامك، لا يقدر أحد من المنافقين على إضلالك ولا على استزلالك. الثاني : ما لم تكن تعلم من أخبار القرون السالفة، فكذلك يعلمك من حيل المنافقين وكيدهم ما لا يقدر على الاحتراز منه انتهى. وفيه بعض تلخيص. والظاهر العموم، فيشمل جميع ما ذكروه.
فالمعنى : الأشياء التي لم تكن تعلمها. لولا إعلامه إياك إياها.
وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً
قيل : المنة بالإيمان. وقال أبو سليمان : هو ما خصه به تعالى. وقال أبو عبد اللّه الرازي : هذا من أعظم الدلائل على أنّ العلم أشرف الفضائل والمناقب. وذلك أنّ اللّه تعالى ما أعطى الخلق من العلم إلا قليلا، ونصيب الشخص من علوم الخلائق يكون قليلا، ثم إنه سمى ذلك القليل عظيما.
وتضمنت هذه الآيات أنواعا من الفصاحة والبيان والبديع. منها الاستعارة في : وإذا ضربتم في الأرض، وفي : فيميلون استعار الميل للحرب. والتكرار في : جناح ولا جناح لاختلاف متعلقهما، وفي : فلتقم طائفة : ولتأت طائفة، وفي : الحذر والأسلحة، وفي :
الصلاة، وفي : تألمون، وفي : اسم اللّه. والتجنيس المغاير في : فيميلون ميلة، وفي :
كفروا إن الكافرين، وفي : تختانون وخوانا، وفي : يستغفروا غفورا. والتجنيس المماثل في : فأقمت فلتقم، وفي : لم يصلوا فليصلوا، وفي : يستخفون ولا يستخفون، وفي : جادلتم فمن يجادل، وفي : يكسب ويكسب، وفي : يضلوك وما يضلون، وفي : وعلمك وتعلم.
قيل : والعام يراد به الخاص في : فإذا قضيتم الصلاة ظاهره العموم، وأجمعوا على أن المراد بها صلاة الخوف خاصة، لأن السياق يدل على ذلك، ولذلك كانت أل فيه للعهد انتهى. وإذا كانت أل للعهد فليس من باب العام المراد به الخاص، لأن أل للعموم وأل للعهد فهما قسيمان، فإذا استعمل لأحد القسيمين فليس موضوعا للآخر. والإبهام في قوله :
بما أراك اللّه وفي : ما لم تكن تعلم. وخطاب عين ويراد به غيره وفي : ولا تكن للخائنين خصيما فإنه صلى اللّه عليه وسلم محروس بالعصمة أن يخاصم عن المبطلين. والتتميم في قوله : وهو معهم للإنكار عليهم والتغليظ لقبح فعلهم لأن حياء الإنسان ممن يصحبه أكثر من حيائه وحده،

_
(١) سورة الشورى : ٤٢/ ٥٢.


الصفحة التالية
Icon