البحر المحيط، ج ٤، ص : ٦٩٣
ثم إني أخبركم إنا آتينا. وقال الحوفي : رتبت ثم التلاوة أي تلونا عليكم قصة محمد ثم نتلو عليكم قصة موسى. وقال ابن عطية : مهلتها في ترتيب القول الذي أمر به محمد صلى اللّه عليه وسلم كأنه قال : ثم مما وصينا إنا آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ ويدعو إلى ذلك أن موسى عليه السّلام متقدم بالزمان على محمد صلى اللّه عليه وسلم. وقال ابن القشيري : في الكلام محذوف تقديره ثم كنا قد آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ قبل إنزالنا القرآن على محمد صلى اللّه عليه وسلم. وقال الزمخشري عطف على وَصَّاكُمْ بِهِ (فإن قلت) : كيف صح عطفه عليه بثم والإيتاء قبل التوصية بدهر طويل؟ (قلت) : هذه التوصية قديمة لم تزل تواصاها كل أمة على لسان نبيها كما قال ابن عباس : محكمات لم ينسخهنّ شيء من جميع الكتب فكأنه قيل : ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ يا بني آدم قديما وحديثا ثم أعظم من ذلك إنا آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وأنزلنا هذا الكتاب المبارك؟ وقيل : هو معطوف على ما تقدّم قبل شطر السورة من قوله : وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ «١» انتهى. وهذه الأقوال كلها متكلفة والذي ينبغي أن يذهب إليه أنها استعملت للعطف كالواو من غير اعتبار مهلة، وقد ذهب إلى ذلك بعض النحاة والْكِتابَ هنا التوراة بلا خلاف وانتصب تماما على المفعول له أو على المصدر أتممناه تَماماً مصدر على حذف الزوائد أو على الحال إما من الفاعل والمفعول وكل قد قيل.
وقيل : معنى تَماماً أي دفعة واحدة لم نفرق إنزاله كما فرقنا إنزال القرآن قاله أبو سليمان الدمشقي. والَّذِي أَحْسَنَ جنس أي على من كان محسنا من أهل ملته قاله مجاهد أي إتماما للنعمة عندهم. وقيل : المراد بالذي أحسن مخصوص. فقال الماوردي : إبراهيم كانت نبوة موسى نعمة على إبراهيم لأنه من ولده والإحسان للأبناء إحسان للآباء. وقيل : موسى عليه السّلام تتمة للكرامة على العبد الذي أحسن الطاعة في التبليغ وفي كل ما أمر به، والذي في هذه التأويلات واقعة على من يعقل. وقال ابن الأنباري : تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ موسى من العلم وكتب اللّه القديمة ونحو منه قول ابن قتيبة، قال : معنى الآية تَماماً على ما كان أحسن من العلم والحكمة من العلم والحكمة من قولهم : فلان يحسن كذا أي يعلمه. وقال الزمخشري في هذا التأويل : تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ موسى من العلم والشرائع من أحسن الشيء إذا أجاد معرفته أي زيادة على علمه على وجه التتميم انتهى. وقال ابن عطية : على ما أحسن هو من عبادة ربه والاضطلاع بأمور نبوته يريد موسى عليه السّلام هذا تأويل الربيع وقتادة انتهى.
والذي في هذا التأويل واقعة على غير العاقل. وقيل : الَّذِي مصدرية وهو قول كوفي وفي

(١) سورة الأنبياء : ٢١/ ٧٢.


الصفحة التالية
Icon