البحر المحيط، ج ٤، ص : ٧١
وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ هذه خمسة أقسم إبليس عليها : أحدها : اتخاذ نصيب من عباد اللّه وهو اختياره إياهم.
والثاني : إضلالهم وهو صرفهم عن الهداية وأسبابها. والثالث : تمنيته لهم وهو التسويل، ولا ينحصر في نوع واحد، لأنه يمني كل إنسان بما يناسب حاله من طول عمر وبلوغ وطر وغير ذلك، وهي كلها أماني كواذب باطلة. وقيل : الأماني تأخير التوبة. وقيل : هي اعتقاد أن لا جنة ولا نار، ولا بعث ولا حساب. وقال الزمخشري : ولأمنينهم الأماني الباطلة من طول الأعمار، وبلوغ الآمال، ورحمة اللّه تعالى للمجرمين بغير توبة، والخروج من النار بعد دخولها بالشفاعة، ونحو ذلك انتهى. وهذا على منزعه الاعتزالي وولوعه بتفسير كتاب اللّه عليه من غير إشعار لفظ القرآن بما يقوله وينحله. والرابع : أمره إياهم الناشئ عنه تبتيك آذان الأنعام، وهو فعلهم بالبحائر كانوا يشقون آذان الناقة إذا ولدت خمسة أبطن.
وجاء الخامس : ذكروا وحرموا على أنفسهم الانتفاع بها قاله : عكرمة، وقتادة، والسدي.
وقيل : فيه إشارة إلى كل ما جعله اللّه كاملا بفطرته، فجعل الإنسان ناقصا بسوء تدبيره.
والخامس أمره إياهم الناشئ عنه تغيير خلق اللّه تعالى.
قال ابن عباس، وإبراهيم، ومجاهد، والحسن، وقتادة، وغيرهم. أراد تغيير دين اللّه، ذهبوا في ذلك إلى الاحتجاج بقوله : فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ «١» أي لدين اللّه. والتبديل يقع موقعه التغيير، وإن كان التغيير أعم منه. ولفظ لا تبديل لخلق اللّه خبر، ومعناه : النهي. وقالت فرقة منهم الزجاج : هو جعل الكفار آلهة لهم ما خلق للاعتبار به من الشمس والنار والحجارة، وغير ذلك مما عبدوه. وقال ابن مسعود، والحسن : هو الوشم وما جرى مجراه من التصنع للتحسين، فمن ذلك الحديث في :«لعن الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات المغيرات خلق اللّه ولعن الواصلة والمستوصلة» انتهى.
وقال ابن عباس أيضا وأنس، وعكرمة، وأبو صالح، ومجاهد، وقتادة أيضا : هو الخصاء، وهو في بني آدم محظور. وكره أنس خصاء الغنم، وقد رخص جماعة فيه لمنفعة السمن في المأكول، ورخص عمر بن عبد العزيز في خصاء الخيل. وقيل للحسن : إن عكرمة قال : هو الخصاء قال : كذب عكرمة، هو دين اللّه تعالى. وقيل : التخنث. وقال

_
(١) سورة الروم : ٣٠/ ٣٠.


الصفحة التالية
Icon