البحر المحيط، ج ٤، ص : ٧٥
حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، وقالوا : نحسن الظن باللّه، وكذبوا لو أحسنوا الظن به لأحسنوا العمل. ويحتمل أن يكون الخطاب للمشركين لقولهم : إن كان الأمر كما يزعم هؤلاء لنكونن خيرا منهم وأحسن حالا، لأوتين مالا وولدا إن لي عنده للحسنى. وكان أهل الكتاب يقولون : نحن أبناء اللّه وأحباؤه لن تمسنا النار إلا أياما معدودة، ويعضده تقدم ذكر أهل الشرك انتهى.
وعلى هذه الأقوال وقع الاختلاف في اسم ليس، وأقربها أنّ الذي يعود الضمير عليه هو الوعد من أنه تعالى يدخلهم الجنّة، ويليه أن يعود على الإيمان المفهوم من قوله :
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ «١» كما ذهب إليه الحسن، ثم إنه يعود على ما وقعت فيه محاورة المؤمنين وأهل الكتاب، أو ما قالته قريش وأهل الكتاب على ما مر ذكره. وقال الحوفي : اسم ليس مضمر فيها على معنى : ليس الثواب عن الحسنات ولا العقاب على السيئات بأمانيكم، لأنّ الاستحقاق إنما يكون بالعمل، لا بالأماني. وقال أبو البقاء : ليس مضمر فيها ولم يتقدم له ذكر، وإنما دل عليه سبب الآية، وذلك أن اليهود والنصارى قالوا :
نحن أصحاب الجنة. وقال المشركون : لا نبعث. فقال : ليس بأمانيكم أي : ليس ما ادعيتموه بأمانيكم. وقرأ الحسن، وأبو جعفر، وشيبة بن نصاح، والحكم، والأعرج : بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب ساكنة الياء، جمع على فعالل، كما يقال : قراقير وقراقر، جمع قرقور.
مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ قال الجمهور : اللفظ عام، والكافر والمؤمن مجازيان بالسوء يعملانه. فمجازاة الكافر النار، والمؤمن بنكبات الدنيا.
فقال أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه : لما نزلت قلت : يا رسول اللّه ما أشد هذه الآية جاءت قاصمة الظهر، فقال صلى اللّه عليه وسلم :
«إنما هي المصيبات في الدنيا»
وقالت بمثل هذا التأويل عائشة رضي اللّه عنها. وقال به :
أبي بن كعب، وسأله الربيع بن زياد عن معنى الآية وكأنه خافها فقال له : أي ما كنت أظنك إلا أفقه مما أرى، ما يصيب الرجل خدش أو غيره إلا بذنب، وما يعفو اللّه عنه أكثر.
وخصص الحسن، وابن زيد بالكفار يجازون على الصغائر والكبائر. وقال الضحاك : يعني اليهود والنصارى والمجوس وكفار العرب، ورأى هؤلاء أن اللّه تعالى وعد المؤمنين بتكفير السيئات. وخصص السوء ابن عباس، وابن جبير بالشرك. وقيل : السوء عام في الكبائر.

_
(١) سورة النساء : ٤/ ١٢٢.


الصفحة التالية
Icon