البحر المحيط، ج ٤، ص : ٨٥
الناس بالدرجة الفضلى في هذا المعنى، فكان إذا سأل الولي عن وليته فقيل : هي غنية جميلة قال له : اطلب لها من هو خير منك وأعود عليها بالنفع. وإذا قيل : هي دميمة فقيرة قال له : أنت أولى بها وبالستر عليها من غيرك. والمستضعفين معطوف على يتامى النساء، والذي تلى فيهم قوله تعالى : يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ «١» الآية وذلك أن العرب كانت لا تورث الصبية ولا الصبي الصغير، وكان الكبير ينفرد بالمال، وكانوا يقولون : إنما يرث من يحمي الحوزة ويرد الغنيمة، ويقاتل عن الحريم، ففرض اللّه تعالى لكل واحد حقه.
ويجوز أن يكون خطابا للأوصياء كقوله : وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ «٢» وقيل :
المستضعفين هنا العبيد والإماء.
وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ هو في موضع جر عطفا على ما قبله أي : وفي أن تقوموا. والذي تلي في هذا المعنى قوله تعالى : وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ «٣» إلى غير ذلك مما ذكر في مال اليتيم. والقسط : العدل. وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون منصوبا بمعنى ويأمركم أن تقوموا. وهو خطاب للأئمة في أن ينظروا لهم، ويستوفوا لهم حقوقهم، ولا يخلوا أحدا يهتضمهم انتهى. وفي ري الظمآن : ويحتمل أن يرفع، وأن تقوموا بالابتداء وخبره محذوف أي : خير لكم انتهى. وإذا أمكن حمله على غير حذف بكونه قد عطف على مجرور كان أولى من إضمار ناصب، كما ذهب إليه الزمخشري. ومن كونه مبتدأ قد حذف خبره.
وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً لما تقدم ذكر النساء، ويتامى النساء، والمستضعفين من الولدان، والقيام بالقسط، عقب ذلك بأنه تعالى يعلم ما يفعل من الخير بسبب من ذكر، فيجازي عليه بالثواب الجزيل. واقتصر على ذكر فعل الخير لأنه هو الذي رغب فيه، وإن كان تعالى يعلم ما يفعل من خير ومن شر، ويجازي على ذلك بثوابه وعقابه.
وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً نزلت بسبب ابن بعكك وامرأته قاله : مجاهد. وبسبب رافع بن خديج وامرأته خولة بنت محمد بن مسلمة، وكانت قد أسنت فتزوج عليها شابة فآثرها، فلم تصبر خولة فطلقها
(١) سورة النساء : ٤/ ١١.
(٢) سورة النساء : ٤/ ٢.
(٣) سورة النساء : ٤/ ٢.