البحر المحيط، ج ٤، ص : ٨٩
عنها بمنع قسمتها من غير رضا منها، واجتناب كل الميل داخل في الوسع، ولذلك وقع النهي عنه أي : إن وقع منكم التفريط في شيء من المساواة فلا تجوروا كل الجور. والضمير في فتذروها عائد على المميل عنها المفهوم من قوله : فلا تميلوا كل الميل.
وقرأ أبيّ : فتذروها كالمسجونة. وقرأ عبد اللّه : فتذروها كأنها معلقة. وتقدم تفسير المعلقة في الكلام على المفردات. وقال ابن عباس : كالمحبوسة بغير حق. وقيل : معنى كالمعلقة كالبعيدة عن زوجها. قيل : أو عن حقها، ذكره الماوردي مأخوذ من تعليق الشيء لبعده عن قراره. وتذروها يحتمل أن يكون مجزوما عطفا على تميلوا، ويحتمل أن يكون منصوبا بإضمار أن في جواب النهي. وكالمعلقة في موضع نصب على الحال، فتتعلق الكاف بمحذوف. وفي الحديث :«من كانت له امرأتان يميل مع إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل»
والمعنى : يميل مع إحداهما كل الميل، لا مطلق الميل.
وقد فاضل عمر في عطاء بين أزواج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأبت عائشة وقالت : إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يعدل بيننا في القسمة بماله ونفسه
، فساوى عمر بينهن، وكان لمعاذ امرأتان فإذا كان عند إحداهما لم يتوضأ في بيت الأخرى، فماتتا في الطاعون فدفنهما في قبر واحد.
وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً قال الزمخشري : وإن تصلحوا ما مضى من قبلكم وتتداركوه بالتوبة، وتتقوا فيما يستقبل، غفر اللّه لكم انتهى. وفي ذلك نزغة الاعتزال. وقال ابن عطية : وإن تصلحوا ما أفسدتم بسوء العشرة، وتلزموا ما يلزمكم من العدل فيما تملكون، فإن اللّه كان غفورا لما تملكونه متجاوزا عنه. وقال الطبري : غفورا لما سلف منكم من الميل كل الميل قبل نزول الآية انتهى. فعلى هذا هي مغفرة مخصصة لقوم بأعيانهم واقعوا المحظور في مدّة النبي صلى اللّه عليه وسلم، وختمت تلك بالإحسان، وهذه بالإصلاح. لأنّ الأولى في مندوب إليه إذ له أن لا يحسن وإن يشح ويصالح بما يرضيه، وهذه في لازم، إذ ليس له إلا أن يصلح، بل يلزمه العدل فيما يملك.
وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ الضمير في يتفرقا عائد على الزوجين المذكورين في قوله : وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها «١» والمعنى : وإن شح كل منهما ولم يصطلحا وتفرّقا بطلاق، فاللّه يغني كلا منهما عن صاحبه بفضله ولطفه في المال والعشرة والسعة. ووجود المراد والسعة الغنى والمقدرة وهذا وعد بالغنى لكل واحد إذا تفرقا، وهو

_
(١) سورة النساء : ٤/ ١٢٨.


الصفحة التالية
Icon